الجمعة، 18 يناير 2019

أم معبد تصف الرسول صلى الله عليه وسلم


أم معبد تصف الرسول صلى الله عليه وسلم منذ 2017-12-07 فهذا وصف امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن، لمحته عينيها فجاشت لزوجها عند رجوعه آخر النهار بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم. أعتبر أن من عجائب الاتصال البشري؛ ما وصفت به أم معبد الخزاعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لدى مروره وجماعة من أصحابه بخيمتها واستراحتهم عندها برهة من الوقت، في رحلة لهم يطلبون الماء من خيمتها. قالت أم معبد الخزاعية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تصفه لزوجها: (ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثُجْلة، ولم تزر به صلعة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن، رِبعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفَنَّد. (سيرة ابن هشام، زاد المعاد. الرحيق المختوم) فهذا وصف امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم، مر بها عليه الصلاة والسلام عابرا يستقي منها الماء واللبن، لمحته عينيها فجاشت لزوجها عند رجوعه آخر النهار بهذه الكلمات التي يعجز كثير من بني الإنسان عن فهمها، فضلا عن قول مثلها لو رأي الرسول صلى الله عليه وسلم. إن المرأة عبرت بما أحست ولمست من كمال جماله، وحسن مظهره، وبهجة طلعته صلى الله عليه وسلم، ولو أخذنا نحن بدورنا في شرح كلامها لقلنا: قولها ظاهر الوضاءة: أي أن جماله صلى الله عليه وسلم وحسن منظره يظهر لكل من رآه سواء كانت هذه الرؤية عن قُرب أم عن بعد، والرجل الوضيء: أي حسن المنظر. قال في لسان العرب: الوضاءة مصدر الوضيء وهو الحسن النظيف، والوضاءة: الحسن والنظافة، والوضاءة الحسن والبهجة. قال عمر لحفصة: لا يغرك إن كان جارتك هي أوضأ منك، أي أحسن. (لسان العرب لابن منظور: [15/ 322]) وقولها أبلج الوجه: أي مشرق الوجه، أبيض مضيء. قال في لسان العرب: البلج تباعد ما بين الحاجبين وقيل ما بين الحاجبين إذا كان نقيا من الشعر؛ بلج بلجا، فهو أبلج، والأنثى بلجاء، وقيل الأبلج الأبيض الحسن الواسع الوجه، يكون في الطول والقصر، … وقال الجوهري: البلجة نقاوة ما بين الحاجبين، يقال: (رجل أبلج بيّن البلج إذا لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبيصلى الله عليه وسلم: أبلج الوجه: أي مسفره مشرقه، ولم تُرِد بلج الحاجب لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا)، وقال ابن الشميل: بلج الرجل يبلج إذا وضح ما بين عينيه ولم يكن مقرون الحاجبين فهو أبلج… وشيء بليج: مشرق مضيء. (لسان العرب لابن منظور: [1/ 477]، [478]) وبليج: أي طلق بالمعروف، قالت الخنساء: كأن لم يقل أهلا لطالب حاجة *** وكان بليج الوجه منشرح الصدر وبليج: أي مشرق مضيء، قال الداخل بن حرام الهذلي: بأحسن مضحكا منها وجيدا *** غداة الحجر مضحكها بليج إذن فأم معبد أرادت أنه صلى الله عليه وسلم أبيض مشرق الوجه مضيء تكملة للفظ ظاهر الوضاءة وما أرادت أنه بعيد ما بين الحاجبين. قولها لم تُعِبْه ثُجْلَة: أي لم يعبه ضخامة البدن، وعظم البطن واسترخاؤه، قال ابن منظور: الثجل: عظم البطن واسترخاؤه وقيل هو خروج الخاصرتين… إلى أن يقول: وفي حديث أم معبد في صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تزر به ثجلة أي: ضخم بطن، ويروى بالنون والحاء (نُحلة)، أي نحول ودقة. قولها ولم تُزر به صلعة: الصلع صغر الرأس وقيل ذهاب الشعر من مقدم الرأس. قال في لسان العرب: الصلع ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره وكذلك إذا ذهب وسطه… إلى أن قال: والصلعاء من الرمال: ما ليس فيها شجر، وأرض صلعاء لا نبات فيها. (لسان العرب لابن منظور: [7/ 387]، [388]) وقولها وسيم: أي حسن جميل، قال ابن الأعرابي الوسيم الثابت الـحُسن كأنه قد وُسم، وفلان وسيم أي حسن الوجه والسيما، وفي صفته صلى الله عليه وسلم: وسيم قسيم، الوسامة: الحسن الوضيء الثابت.  (لسان العرب لابن منظور: [15/ 303]) وأما قولها قسيم: فمعناه أيضا حُسن الوجه، كما قال ابن منظور وفي حديث أم معبد: قسيم… القسامة الـحُسن، ورجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال (لسان العرب: [11/ 166]) صلى الله عليه وسلم على حِدَة جميل حسن، فكل جزء منه صلى الله عليه وسلم حاز الجمال كله.، وهذا يعني أن كل جزء منه. قولها في عينيه دَعَج: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين مع اتساعها، شديد بياض بياضها. قال في لسان العرب:الدعج والدعجة: السواد، وقيل شدة السواد، وقيل الدعجة شدة سواد العين وشدة بياض بياضها، وقيل شدة سوادها مع سعتها، قال الأزهري: الذي قيل في الدعج إنه شدة سواد سواد العين مع شدة بياض بياضها خطأ، أراد بالأدعج المظلم السواد، جعل الليل أدعج لشدة سواده مع شدة بياض الصبح، وفي صفته صلى الله عليه وسلم في عينيه دعج، الدعج والدعجة السواد في العين وغيرها؛ يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد، وقيل: إن الدعج عنده سواد العين في شدة بياضها. (لسان العرب لابن منظور: [4/ 351]) وقولها وفي أشفاره وطف: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل شعر الأجفان. قال في لسان العرب:الشُّفْر بالضم، شُفْرُ العين وهو ما نبت عليه الشعر، وأصل منبت الشعر في الجفن وليس الشفر من الشعر في شيء. والجمع أشفار، وقال ابن منظور: شفر العين منابت الأهداب من الجفون (لسان العرب لابن منظور: [7/ 149]) صلى الله عليه وسلم: أنه كان في أشفاره وطف؛ المعنى أنه كان أهدب الأشفار أي طويلها (لسان العرب لابن منظور: [15/ 338]). وأما الوطف فهو كثرة وطول شعر الحاجبين والعينين. وقال ابن منظور: الوطف: كثرة شعر الحاجبين والعينين والأشفار مع استرخاء وطول…، وفي حديث أم معبد في صفته. وقولها وفي صوته صَحَل: أي أنه صوته صلى الله عليه وسلم كان فيه بَحَّة ولم يكن حادا بل كان فيه بحة وخشونة. قال في لسان العرب:صَحِل الرجل، بالكسر، وصَحِل صوته يَصْحَل صَحَلاً فهو أصحل؛ وصحل: بح؛ ويقال في صوته صحل أي بحوحة، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين وصفته أم معبد؛ وفي صوته صَحَلٌ، وهو بالتحريك كالبحة وأن لا يكون حادا، قال: الصحل: حدة الصوت مع بحح(لسان العرب لابن منظور: [7/ 291]، [292]). وقولها وفي عنقه سَطَع: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان في عنقه طول. قال في لسان العرب:السطع بالتحريك: طول العنق، وفي حديث أم معبد وصفتها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ قالت وكان في عنقه سطع. أي طول (لسان العرب لابن منظور: [6/ 258​​​​​​​]). وقولها أحور: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان شديد سواد العين شديد بياض بياضها وكانت عينه مستديرة. قال في لسان العرب:والحور أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها، وقيل: الـحَور شدة سواد المقلة في شدة بياضها في شدة بياض الجسد. (لسان العرب لابن منظور: [3/ 385]) وقولها أكحل: أي أنه أسود أجفان العين، ويقال لكل أبيض شديد سواد العين أنه أكحل. قال في لسان العرب:والكَحَل في العين أن يعلو منابت الأشفار سواد مثل الكُحْل من غير كحل، وقيل الكَحَل في العين أن تسود مواضع الكُحل، وقيل الكحلاء الشديدة السواد، وقيل وهي التي تراها كأنها مكحولة، وإن لم تكتحل… وفي صفته صلى الله عليه وسلم في عينيه كَحَل؛ الكَحَل بفتحتين: سواد في أجفان العين. (لسان العرب لابن منظور: [13/ 40]، [41]) وقولها أزج: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان طويل الحاجب مع رقة فيه. قال في لسان العرب:الأُزُوجُ: سرعة الشدة، وأزج في مشيته: أسرع، أَزَج العشبُ: أي طال(لسان العرب لابن منظور: [1/ 130] - [6/ 20])، وقال: وزججت المرأة حاجبها بالمزَجّ: رقّقته وطولته، وقيل أطالته بالإثمد. وقولها أقرن: أي مقرون الحاجبين أو متصل الحاجبين. قال في لسان العرب: (رجل أبلج بيّن البلج إذ لم يكن مقرونا، وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أبلج الوجه أي مسفره مشرقه، ولم تُرد بلج الجاجبين لأنها تصفه بالقرن، والأبلج الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا والبلج إذ لم يكن أقرن) (لسان العرب لابن منظور: [1/ 477​​​​​​​]). إذن فأم معبد أرادت بالبلج: أنه مشرق الوجه وليس بعيد ما بين الحاجبين بدليل أنها وصفته بأنه أقرن وهو قريب الحاجبين. وقولها لا نزر ولا هذر: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان وسطا في الحجم لا قليل ولا كثير، فالنزر هو القليل التافه وهو القليل في كل شيء، والإنسان النزور هو قليل الكلام، والهذر هو الكثير الرديء، وهذر الرجل في كلامه أي أكثر الكلام بلا فائدة. فرسول الله r لم يكن لا هذا ولا هذا إنما كان وسطا بين ذلك وذلك صلى الله عليه وسلم. قال في لسان العرب:النزر القليل التافه والنزر والنزير: القليل في كل شيء (لسان العرب لابن منظور: [14/ 104]). وقال: الهذر: الكلام الذي لا يُعبأ به، وهذر كلامه هذرا: كثر في الخطأ والباطل، والهذر: الكثير الرديء، وقيل هو سقط الكلام (لسان العرب لابن منظور: [15/ 65]). وقولها محفود: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان محفودا من أصحابه أي معظما مكرما مخدوما، والحَفْد: هو الخِدمة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء القنوت وإليك نسعى ونحفد: أن نسارع في الخدمة والطاعة. قال في لسان العرب:أصل الحفد الخدمة والعمل (لسان العرب لابن منظور: [3/ 235​​​​​​​])، وقال: ورجل محفود أي مخدوم وفي حديث أم معبد: محفود أي يخدمه أصحاب ويعظمونه ويسارعون في طاعته. وقولها محشود: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يجتمع عليه أصحابه فيحفون به ويحتشدون حوله. قال في لسان العرب:حشد القوم يحشدهم ويحشدهم، جَمَعَهم… إلى أن يقول: ورجل محشود: أي عنده حشد من الناس أي جماعة، ورجل محشود إذا كان الناس يحفون بخدمته لأنه مطاع فيهم، وفي حديث أم معبد: محفود محشود أي أن أصحابه يخدمونه ويجتمعون إليه. (لسان العرب لابن منظور: [3/ 183]، [184]) وقولها لا عابس ولا منفد: أي أنه صلى الله عليه وسلم كان باشّاً جميل المعاشرة لا يهجن أحدا أو يستقل عقله بل كان يوقّر الناس جميعهم صلى الله عليه وسلم وكان صاحبه كريم عليه. قال في لسان العرب:العابس: الكريه المَلْقي، الجهم المُحَيَّا، والمفَنِّد: بكسر النون: الذي يقابل غيره بما يكره، ومعنى قولها ولا مفَنِّد: أي أنه صلى الله عليه وسلم لا يفند غيره، أي لا يقابل أحدا في وجهه بما يكره ولأنه يدل على الخلق العظيم. (لسان العرب لابن منظور: (هامش): [9/ 20]) وقيل مفَنِّد: أي لا فائدة في كلامه لكِبَر أصابه. (لسان العرب لابن منظور: [10/ 333]) وقيل المفَنِّد: الضعيف الجسم والرأي. ([لسان العرب لابن منظور: [10/ 232]) فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن واحدا من أولئك. أي أن أم معبد التي رأت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته بأنه: جميل حسن المنظر سواء تراه عن قرب أو عن بعد. أبيض الوجه وضيء. ليس له بطن عظيم. ليس به صلع، بل شعره من مقدمة رأسه. الجمال في وجهه في كل عضو على حدة. شديد سواد العين. واسع العينين. طويل شعر الأجفان. في صوته بَحَّة مع خشونة. طويل العنق. شديد بياض بياض العين، شديد سواد سوادها. أسود أجفان العين أكحل. طويل الحاجبين مع رقة فيه. متصل الحاجبين. متوسط حجم الجسم، لا تافه ولا كثير غليظ. معظّما مكرّما مخدوما من أصحابه. يلتفُّ حوله أصحابه. غير عابس ولا يحتقر أحدا. وإنما انتقيت وصف أم معبد للرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت به في كتابي وصف الرسول كأنك تراه رغم وصف الصحابة رضي الله عنهم له؛ لكون وصفها جامعا ودقيقا، ولكون المرأة أحد نظرا في التفاصيل. وقد ثبت معظم – إن لم يكن كل- ما قالته في وصفه صلى الله عليه وسلم عن مجموعة من الصحابة متفرقا… وقد كان الصحابة رضي الله عنهم مهتمين بوصف هديه وأوامره ونواهيه ومواقع نظره صلى الله عليه وسلم… بل بعضهم كان لا يحد النظر فيه صلى الله عليه وسلم احتراما له وهيبة له وتعظيما… ومنهم من قال ذلك صراحة… فرضي الله عنهم وجزاهم عنا خيرا… أما هذه فامرأة بدوية واعية لا يشغلها هديه ولا أوامره ولا نواهيه… وإنما شدها معالم خلقته الكريمة وحفاوة أصحابه به… فكان منها ما قرأتم.


الثلاثاء، 8 يناير 2019

جابر عثرات الكرام

حكى أن 
هناك رجلا يدعى ( خُزيمة بن بشر ) كان هذا الرجل ميسور الحال ينفق علي كل فقير ومحتاج حتى الذين لديهم مال كان يعطيهم .. 
حتى دارت عليه دائرة الدنيا والأيام فأصبح فقيراً معدماً .. فجاء بعض الذين كان يعطيهم من خيره ويمد لهم يد العون فأعطوه شهرا أو  شهرين ثم ملوا وتوقفوا عن مساعدته 

فأغلق باب بيته عليه وهو لا يجد ما يسد به الرمق هو وزوجته ..

كان الوالي المكلف في الجزيرة يدعى ( عكرمة بن الفياض )          
وكان يعرف خُزيمة بن بشر فسأل عنه .. فقيل له : لقد افتقر خُزيمة وأصبح لا يملك قوت يومه وأغلق بابه ..
فاندهش عكرمة قائلاً: خُزيمة افتقر ؟؟ ولَم يجد ممن كان يعطيهم ليقف معه ؟؟ خزيمة  الذي كان يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر ؟؟

وفِي الليل والنَّاس نيام خرج عكرمة الفياض الوالي وأخفى وجهه وهو يحمل علي ظهره حملاً ثقيلاً حتى بلغ دار خزيمة  ثم طرق الباب 

قال  خُزيمة : من ؟
قال عكرمة : ضيف 
ففتح  خزيمة 
  ووضع عكرمة الحمل من ظهره وقال :
هذا لك 
قال خُزيمة : ومن أين ؟
قال عكرمة : من مال الله
قال خُزيمة : ومن أنت :

قال عكرمة : جابر عثرات الكرام
قال خزيمة  : بالله عليك عرفّني من أنت ؟؟
قال : جابر عثرات الكرام ثم انصرف مسرعاً

قال خزيمة  لزوجته : أشعلي لنا فانوسا لنرى ماذا أحضر الرجل المُلثم 
قالت : ليس لدينا فانوسا ولا حطب نوقده
فأخذ عكرمة يتلمس الكيس في الظلام حتي انفلق الصباح 
وعندما فتحه وجدها أربعة آلاف دينار وخمسمائة وكان الألف دينار تعادل أربعة كيلو ذهب ومائتين وخمسين جراماً
فشكر خُزيمة ربه وقضى دينه وأصلح حاله 
وعندما رجع الوالي عكرمة إلي بيته وجد زوجته تولول وتقول : لا يخرج الوالي في هذه الساعة إلا لزوجةٍ أخرى
قال : لا والله 
قالت : إذن أخبرني أين كنت ؟
قال : لو أردت إخبارك أو إخبار أحد لما خرجت متخفياً ليلاً
قالت : يجب أن أعرف وألحت ولَم تنم حتى قَص لها القصة وقال:
اكتمي السر ولا تحدثي به حتى نفسك
وبعد فترة ذهب خزيمة  إلي أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك فسأله : أين كنت يا خزيمة  لم نسمع عنك من زمن فقص عليه القصة  فقال الأمير : ومن جابرعثرات الكرام؟
قال :  لم أعرفه ورفض إخباري
قال الأمير :  ليتك عرفته 
ثم أمر بمنح دنانير أخرى ل خُزيمة وأصدر امرا بإعفاء عكرمة الفياض 
وتعيين خُزيمة والياً لمنطقة ألجزيرة ورجع
خُزيمة  ودخل قصر الوالي  وهو يحمل مرسوم العزل وكان في استقباله عكرمة بنفسه وسلمه أمر العزل فقال عكرمة : كله خير
ثم قال خُزيمة : أريد أن أحاسبك علي مال المسلمين
فرحب عكرمة بذلك فوجد خُزيمة مبلغاً من المال غير موجود 
فقال خُزيمة : أين المال يا عكرمة
قال : ليس معي
قال : إذن رُده من مالك
قال : لا أملك مال خاص
قال : إما المال أو السجن
وسجن عكرمة ردحاً من الزمن ووضعت له الأغلال الثقيلة في كتفيه وظهره حتى ضعف جسمه وتغير لونه
وعندما سمعت زوجة عكرمة بما حدث لزوجها الوالي المعزول
ذهبت الي خُزيمة وكانت هي إبنة  عّم  خُزيمة وقالت له :
يا خُزيمة ما هكذا يُجازي جابر عثرات الكرام 
فانتفض خُزيمة مفزوعاً قائلاً : هل هو عكرمة ؟ يا ويلتاه وهرول إلي السجن دون أن يسمع شئا آخرا
وأخذ يفك الأغلال من عكرمة بيديه ويبكي 
وعكرمة يسأله : ماذا حدث ولماذا تبكي ؟
قال خُزيمة : من كرمك وصبرك وسوءُ صنيعي 
كيف أنظر في وجهك ووجه ابنة عمي؟

فأمر له بالكساء والغذاء وعندما استوى عوده قال له : هيا معي إلي خليفة المسلمين 
فلما رآهم الخليفة بن عبدالملك قال : ما الذى أتى بك يا خُزيمة وأنت حديث عهد بالولاية ؟؟
قال : أتيتك ب جابر عثرات الكرام وأظنك كنت متشوقاً لمعرفته
فاندهش بن عبد الملك وقال :  هل هو عكرمة ؟ خبت يا بن عبد الملك  وتعجلت لقد أخجلتنا بطيب صنيعك وصبرك يا جابر عثرات الكرام
فأمر ل عكرمة بعشرة آلاف دينار وأعاد تعينه والياً  وقال : إن شئتما حكمتما معاً
وظلا واليين مع بعضهما حتى توفاهما الله

هل من جابر لعثرات الكرام في زماننا.

الأحد، 6 يناير 2019

ياصاحب السر إن السر قد ظهرا --- فلا أطيق حياة " بعدما اشتهرا

ياصاحب السر إن السر قد ظهرا
--- فلا أطيق حياة " بعدما اشتهرا
😭😔
يقول مالك بن دينار رحمه الله :
دخلت البصرة يوما فوجدت الناس قد اجتمعوا فى المسجد الكبير
يدعون الله من صلاة الظهر إلى صلاة العشاء لم يغادروا المسجد فقلت لهم مابالكم؟
فقالوا :
أمسكت السماء ماءها وجفت الأنهار-ونحن ندعوا الله ان يسقينا فدخلت معهم.
يصلون الظهر ويدعون، والعصر ويدعون، والمغرب ويدعون، والعشاء ويدعون.. ولا تمطر السماء قطره..
خرجوا ولم يستجب لهم.

يقول: ثم ذهب كل منهم إلى داره وقعدت في المسجد ولا دار لي.
 فدخل رجل ( اسود )..
(أفطس)  اي صغير الأنف..
( أبجر )  اي كبير البطن..
( عليه خرقتان )  ستر عورته بواحدة وجعل الأخرى على عاتقه.

فصلى ركعتين ولم يطل..
ثم التفت يمينا ويسارا ليرى  أحدا فلم  يرانى..
فرفع يديه إلى القبلة وقال؛

إلهي وسيدى ومولاي 
حبست القطر عن بلادك لتؤدب عبادك
 فأسالك يااااااااا حليما ذا أناه،
يامن لايعرف خلقه منه إلا الجود
ان تسقيهم الساعة الساعة الساعة..

يقول مالك فما ان وضع يديه
إلا وقد أظلمت السماء وجاءت السحب من كل مكان فامطرت كأفواه القِرب.

يقول فعجبت من الرجل
فخرج من المسجد فتبعته فظل يسير بين الأزقة والدروب حتى دخل دارا"، فما وجدت شيئا" أعلّم به الدار إلا من طين الأرض فأخذت منها وجعلت على الباب علامة.. 

فلما طلعت الشمس تتبعت الطرق حتى وصلت إلى العلامة  فإذا هو بيت نخّاس يبيع العبيد..
فقلت ياهذا إني أريد أن أشترى من عندك عبدا..
فأرانى الطويل والقصير والوجيه
فقلت: لا لا اما عندك غير هؤلاء؟
فقال النخاس: ماعندى غير هؤلاء للبيع.

يقول مالك:
وأنا خارج من البيت وقد أيست رأيت كوخا" من خشب جوار الباب فقلت: هل في هذا الكوخ من أحد؟
فقال النخاس: من فيه لايصلح.. أنت تريد أن تشترى عبدا" ، ومن فى هذا الكوخ لايصلح.
فقلت: أراه ..!!
 فأخرجه لي، فلما رأيته عرفته.
فإذا هو الرجل الذى كان  يصلى بالمسجد البارحة..
قلت للنخاس: أشتريه..فأجابني: لعلك تقول غشّني الرجل..هذا لا ينفع فى شيء..هذا لايصلح في شيء.. فقلت أشتريه.. فزهد فى ثمنه واعطانى إياه..

فلما استقر بى المقام فى بيتى رفع العبد رأسه إلي وقال: ياسيدى لم اشتريتني؟
إن كنت تريد  القوة  فهناك من هو أقوى منى..
وإن كنت تريد الوجاهة فهناك من هو أبهى منى..
وإن كنت تريد الصنعة فهناك من هواحرف مني
فلم اشتريتني؟

قلت: يا هذا، بالأمس كان الناس فى المسجد وظلت البصرة كلها تدعو الله من الظهر إلى بعد العشاء ولم يستجب لهم..
وما إن دخلت أنت ورفعت يديك إلى السماء ودعوت الله واشترطت على الله حتى استجاب الله لك وحقق لك ما تريد!

فقال العبد: لعله غيرى؟ وما يدريك انت لعله رجل آخر؟
فقلت: بل هو أنت.. 
فقال العبد أعرفتني؟ فقلت نعم.
فقال: أتيقنتني؟  فقلت نعم.

فيقول مالك: فوالله ما التفت  إلي بعدها، 
إنما خرّ  لله ساجدا" فأطال السجود، فانحنيت عليه فسمعته يقول:
(ياصاحب السر إن السر قد ظهرا --- فلا أطيق حياة" بعدما اشتهرا)
ففاضت الروح الى بارئها

⭐⭐⭐

أي سر سره ، وأي سر سرنا
وإلى أي درجة بلغ في الإخلاص ، وكيف إخلاصنا؟!!
 اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا

اللهم اجعلنا من عبادك الأتقياء الأنقياء الأخفياء.

📚 _ صور من حياة التابعين .
      _ حلية الأولياء .

" الرَّجَّال بن عنفوة "

يروي ابن كثير في البداية والنهاية عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مر عليه يوما وهو جالس في رهط (جماعة ) من القوم 
فَقَالَ : " إِنَّ فِيكُمْ لَرَجُلا ضَرْسُهُ فِي النَّارِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ"

كان إخبارا من رسول الله أن واحدا منهم سيكون من أهل النار  .. وياله من اخبار من الصادق المصدوق .. فقد حق على أحدهم!

فمات القوم كلهم على خير .. على الإسلام والايمان ، ولم يبق منهم إلا أبا هريرة و رجلا من بني حنيفة اسمه " الرَّجَّال بن عنفوة " ، وكان من الذين وفدوا على رسول الله فلزمه وتعلم منه وحفظ القرآن و الأحكام وجدّ في العبادة

يقول رافع بن خديج: " كان " بالرَّجَّالِ " من الخشوع ولزوم قراءة القرآن والخير شيء عجيب "
وقال عنه ابن عمر " كان من أفضل الوفد عندنا"
ياسبحان الله حافظا قواما صواما

ظل إخبار النبي عالقا برأس أبي هريرة وكلما رأى  "الرَّجَّال بن عنفوة " ومدوامته على العبادة وزهده  ، ظن أنه هالك وأنه هو صاحب النبوءة وأصابه الرعب (أي ظن أبو هريرة أنه المقصود بحديث النبي) حتى ظهر مسيلمة الكذاب في اليمامة وأدعى النبوة و اتبعه خلق من أهل اليمامة !

فبعث أبو بكر الصديق  "الرَّجَّال بن عنفوة " لأهل اليمامة يدعوهم إلى الله ويثبتهم على الإسلام ، فلما وصل " الرَّجَّال " اليمامة التقاه مسيلمة الكذاب وأكرمه وأغراه بالمال والذهب ، وعرض عليه نصف ملكه إذا خرج إلى الناس ، وقال لهم إنه سمع محمدا يقول إن مسيلمة شريك له في النبوة

ولما رأى " الرَّجَّال " مافيه مسيلمة من النعيم - وكان من فقراء العرب - ، ضعف ونسي إيمانه وصلاته وصيامه وزهده ، وخرج إلى الناس الذين كانوا يعرفون أنه من رفقاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فشهد أنه سمع رسول الله يقول: إنه قد أشرك معه مسيلمة بن حبيب في الأمر  .

فكانت فتنة " الرَّجَّال " أشد من فتنة  مسيلمة الكذاب وضل خلق كثير بسببه وأتبعوا مسيلمة ، حتى تعدي جيشه أربعين ألفا .. فجهز أبوبكر الصديق جيشا لحرب مسيلمة فهزم في بادئ الأمر ، فأرسل مددا وجعل على رأسه سيف الله خالد بن الوليد.

كان من ضمن الجيش  " وحشي بن حرب " الذي قتل أسد الله وسيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ثم أسلم و ذهب لرسول الله الذي كان كلما رآه تذكر مافعله بعمه حمزة أسد الله فيتألم ، فقرر "وحشي" أن يترك المدينة و يسيح في الأرض مجاهدا في سبيل حتى يكفر عن ذنبه الكبير

ولما ذهب في جيش خالد قرر أن يترصد مسيلمة فيقتل شر خلق الله ،  تكفيرا عن قتل حمزة عم النبي ، و بدأت معركة لم يعرف العرب مثلها وكان يوما شديد الهول ، وانكشف المسلمون في البداية مع كثرة عدوهم و كثرة عتاده .

ولولا ثبات أصحاب رسول الله وأهل القرآن الذين نادوا في الناس ، فعادوا إليهم و حملوا على جيش مسيلمة حتى زحزحوه و تتبع "وحشي" مسيلمة الكذاب حتى قتله بحصن تحصن فيه ، وانهزم بنو حنيفة و قتل "الرَّجَّال بن عنفوة"  مع من قتل من أتباع مسيلمة فمات على الكفر مذموما مخذولا !

ولما علم أبوهريرة خر ساجدا لله بعد أن أدرك أخيرا أنه قد نجا!
★الرَّجَّال بن عنفوة :  رافق النبي ولزم العبادة و القرآن والزهد و لكنه ختم له بشر ، فضل وأضل  ومات على الكفر 
★★وحشي بن حرب : قتل حمزة أسد الله وأسد رسوله  ، ولكن هداه الله فختم له بخير وصار من خيرة المجاهدين

فلاتغتر بعباداتك وصلاتك و صيامك وزكواتك وصدقاتك ولا تمنن ، وادع الله بأن يثبتك و يختم لك بخير  .. ولاتحقرن أحدا بذنبه أو لذنبه وأدع الله أن يتوب عليه ..  فلا تظهر الشماتة لأخيك فيشفيه الله ويبتليك !
.
.
فأنت لاتعلم ماذا كتب في اللوح المحفوظ!

السبت، 5 يناير 2019

مقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله

مقتل مسيلمة الكذاب لعنه الله

لما رضي الصديق عن خالد بن الوليد وعذره بما اعتذر به بعثه إلى قتال بني حنيفة باليمامة وأوعب معه المسلمون وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وقد اجتاز بخيول لأصحاب سجاح فشردهم وأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وأردف الصديق خالدا بسرية لتكون ردءا له من وراءه، وقد كان بعث قبله إلى مسيلمة عكرمة ابن أبي جهل، وشرحبيل بن حسنة فلم يقاوما بني حنيفة لأنهم في نحو أربعين ألفا من المقاتلة، فعجل عكرمة ابن أبي جهل مجيء صاحبه شرحبيل فناجزهم فنكب فانتظر خالدا، فلما سمع مسيلمة بقدوم خالد عسكر بمكان يقال له: عقربا في طرف اليمامة والريف وراء ظهورهم، وندب الناس وحثهم فحشد له أهل اليمامة، وجعل على مجنبتي جيشة المحكم بن الطفيل، والرجال بن عنفوة بن نهشل، وكان الرجال هذا صديقه الذي شهد له أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إنه قد أشرك معه مسيلمة بن حبيب في الأمر وكان هذا الملعون من أكبر ما أضل أهل اليمامة حتى اتبعوا مسيلمة - لعنهما الله -.
وقد كان الرجال هذا قد وفد إلى النبي ﷺ وقرأ البقرة وجاء زمن الردة إلى أبي بكر فبعثه إلى أهل اليمامة يدعوهم إلى الله ويثبتهم على الإسلام، فارتد مع مسيلمة وشهد له بالنبوة.
قال سيف بن عمر: عن طلحة، عن عكرمة، عن أبي هريرة كنت يوما عند النبي ﷺ في رهط معنا الرجال بن عنفوة فقال: « إن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من أحد ».
فهلك القوم وبقيت أنا والرجال وكنت متخوفا لها، حتى خرج الرجال مع مسيلمة وشهد له بالنبوة فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مسيلمة، رواه ابن إسحاق عن شيخ، عن أبي هريرة، وقرب خالد وقد جعل على المقدمة شرحبيل بن حسنة، وعلى المجنبتين زيدا وأبا حذيفة، وقد مرت المقدمة في الليل بنحو من أربعين، وقيل: ستين فارسا عليهم مجاعة بن مرارة، وكان قد ذهب لأخذ ثأر له في بني تميم وبني عامر وهو راجع إلى قومه فأخذوهم، فلما جيء بهم إلى خالد عن آخرهم فاعتذروا إليه فلم يصدقهم وأمر بضرب أعناقهم كلهم سوى مجاعة، فإنه استبقاه مقيدا عنده لعلمه بالحرب والمكيدة، وكان سيدا في بني حنيفة شريفا مطاعا، ويقال: إن خالدا لما عرضوا عليه قال لهم: ماذا تقولون يا بني حنيفة؟
قالوا: نقول منا نبي ومنكم نبي فقتلهم إلا واحدا اسمه سارية، فقال له: أيها الرجل إن كنت تريد عدا بعدول هذا خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل - يعني: مجاعة بن مرارة - فاستبقاه خالد مقيدا وجعله في الخيمة مع امرأته، وقال: استوصي به خيرا.
فلما تواجه الجيشان قال مسيلمة لقومه: اليوم يوم الغيرة اليوم إن هزمتم تستنكح النساء سبيات وينكحن غير حظيات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم، وتقدم المسلمون حتى نزل بهم خالد على كثيب يشرف على اليمامة فضرب به عسكره، وراية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وراية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها، ومجاعة بن مرارة مقيد في الخيمة مع أم تميم امرأة خالد، فاصطدم المسلمون والكفار فكانت جولة وانهزمت الأعراب حتى دخلت بنو حنيفة خيمة.. خالد بن الوليد وهموا بقتل أم تميم، حتى أجارها مجاعة وقال: نعمت الحرة هذه، وقد قتل الرجال بن عنفوة - لعنه الله - في هذه الجولة قتله زيد بن الخطاب، ثم تذامر الصحابة بينهم، وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عودتم أقرانكم ونادوا من كل جانب أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار وحمى البراء بن معرور وكان إذا رأى الحرب أخذته العرواء فيجلس على ظهر الرحال حتى يبول في سراويله، ثم يثور كما يثور الأسد، وقاتلت بنو حنيفة قتالا لم يعهد مثله، وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة بطل السحر اليوم، وحفر ثابت ابن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقية وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتا حتى قتل هناك.
وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: أتخشى أن نؤتى من قبلك
فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا.
وقال زيد بن الخطاب: أيها الناس عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوكم وامضوا قدما.
وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله، أو ألقى الله فأكلمه بحجتي، فقتل شهيدا رضي الله عنه.
وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال، وحمل فيهم حتى أبعدهم وأصيب رضي الله عنه.
وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله، ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا البراز وقال: أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ: يا محمداه، وجعل لا يبرز لهم أحد إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا أكله، ودارت رحى المسلمين، ثم اقترب من مسيلمة فعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فجعل شيطان مسيلمة يلوي عنقه لا يقبل منه شيئا، وكلما أراد مسيلمة يقارب من الأمر صرفه عنه شيطانه، فانصرف عنه خالد وقد ميز خالد المهاجرين من الأنصار من الأعراب، وكل بني أب على رايتهم يقاتلون تحتها حتى يعرف الناس من أين يؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبرا لم يعهد مثله ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم، وولى الكفار الأدبار، واتبعوهم يقتلون في أقفائهم ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاءوا، حتى ألجأوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم محكم اليمامة وهم محكم بن الطفيل - لعنه الله - بدخولها فدخلوها، وفيها عدو الله مسيلمة - لعنه الله -.
وأدرك عبد الرحمن ابن أبي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم وأحاط بهم الصحابة، وقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة، فاحتملوه فوق الجحف ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة - لعنه الله - وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، وهو يريد يتساند لا يعقل من الغيظ، وكان إذا اعتراه شيطانه أزبد حتى يخرج الزبد من شدقيه فتقدم إليه وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم قاتل حمزة فرماه بحربته فأصابه وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط، فنادت امرأة من القصر: واأمير الوضاءة قتله العبد الأسود.
فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل، وقيل: أحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة، وقيل: خمسمائة، فالله أعلم، وفيهم من سادات الصحابة وأعيان الناس من يذكر بعد.
وخرج خالد وتبعه مجاعة بن مرارة يرسف في قيوده فجعل يريه القتلى ليعرفه بمسيلمة، فلما مروا بالرجال بن عنفوة قال له خالد: أهذا هو؟
قال: لا والله هذا خير منه، هذا الرجال بن عنفوة.
قال سيف بن عمر: ثم مروا برجل أصفر أخنس فقال: هذا صاحبكم.
فقال خالد: قبحكم الله على اتباعكم هذا، ثم بعث خالد الخيول حول اليمامة يلتقطون ما حول حصونها من مال وسبي، ثم عزم على غزو الحصون ولم يكن بقي فيها إلا النساء والصبيان والشيوخ الكبار فخدعه مجاعة فقال: أنها ملأى رجالا ومقاتلة، فهلم فصالحني عنها.
فصالحه خالد لما رأى بالمسلمين من الجهد وقد كلوا من كثرة الحروب والقتال.
فقال: دعني حتى أذهب إليهم ليوافقوني على الصلح.
فقال: إذهب، فسار إليهم مجاعة فأمر النساء أن يلبسن الحديد ويبرزن على رؤوس الحصون، فنظر خالد فإذا الشرفات ممتلئة من رؤوس الناس فظنهم كما قال مجاعة، فانتظر الصلح ودعاهم خالد إلى الإسلام فأسلموا عن آخرهم، ورجعوا إلى الحق، ورد عليهم خالد بعض ما كان أخذ من السبي وساق الباقين إلى الصديق، وقد تسرى علي ابن أبي طالب بجارية منهم وهي أم ابنه محمد الذي يقال له: محمد ابن الحنفية رضي الله عنه.
وقد قال ضرار بن الأزور في غزوة اليمامة هذه:
فلو سئلت عنا جنوب لأخبرت * عشية سالت عقرباء وملهم
وسال بفرع الواد حتى ترقرت * حجارته فيه من القوم بالدم
عشية لا تغني الرماح مكانها * ولا النبل إلا المشرفي المصمم
فإن تبتغي الكفار غير مسيلمة * جنوب فإني تابع الدين مسلم
أجاهد إذ كان الجهاد غنيمة * ولله بالمرء المجاهد أعلم
وقد قال خليفة بن حناط ومحمد بن جرير وخلق من السلف: كانت وقعة اليمامة في سنة إحدى عشرة.
وقال ابن قانع: في آخرها.
وقال الواقدي وآخرون: كانت في سنة اثنتي عشرة، والجمع بينها أن ابتداءها في سنة إحدى عشرة والفراغ منها في سنة اثنتي عشرة، والله أعلم.
ولما قدمت وفود بني حنيفة على الصديق قال لهم: أسمعونا شيئا من قرآن مسيلمة.
فقالوا: أوتعفينا يا خليفة رسول الله؟
فقال: لا بد من ذلك.
فقالوا: كان يقول: يا ضفدع بنت الضفدعين، نقي لكم نقين، لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء وذنبك في الطين.
وكان يقول: والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، رفيقكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والناعي فواسوه، وذكروا أشياء من هذه الخرافات التي يأنف من قولها الصبيان وهم يلعبون.
فيقال إن الصديق قال لهم: ويحكم أين كان يذهب بعقولكم، إن هذا الكلام لم يخرج من أل.
وكان يقول: والفيل وما أدراك ما الفيل، له زلوم طويل.
وكان يقول: والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسد من رطب ولا يابس.
وتقدم قوله: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى، وأشياء من هذا الكلام السخيف الركيك، البارد السميج.
وقد أورد أبو بكر ابن الباقلاني رحمه الله في كتابه إعجاز القرآن أشياء من كلام هؤلاء الجهلة المتنبئين كمسيلمة، وطليحة، والأسود، وسجاح، وغيرهم مما يدل على ضعف عقولهم وعقول من اتبعهم على ضلالهم ومحالهم.
وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد إلى مسيلمة في أيام جاهليته فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين؟
فقال له عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة.
فقال: وما هي؟
قال: أنزل عليه « والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ».
قال: ففكر مسيلمة ساعة، ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنزل على مثلها.
فقال له عمرو: وما هي؟
فقال مسيلمة: ياوبر ياوبر، إنما أنت إيراد وصدر، وسائرك حفر نقر.
ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟
فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب.
وذكر علماء التاريخ أنه كان يتشبه بالنبي - ﷺ-.
بلغه أن رسول الله ﷺ بصق في بئر فغزر ماؤه، فبصق في بئر فغاض ماؤه بالكلية، وفي أخرى فصار ماؤه أجاجا.
وتوضأ وسقى بوضوئه نخلا فيبست وهلكت، وأتى بولدان يبرك عليهم فجعل يمسح رؤوسهم فمنهم من قرع رأسه، ومنهم من لثغ لسانه.
ويقال: إنه دعا لرجل أصابه وجع في عينيه فمسحهما فعمي.
وقال سيف بن عمر: عن خليد بن زفر النمري، عن عمير بن طلحة، عن أبيه أنه جاء إلى اليمامة فقال: أين مسيلمة؟
فقال: مه، رسول الله.
فقال: لا حتى أراه.
فلما جاء قال: أنت مسيلمة؟
فقال: نعم.
قال: من يأتيك؟
قال: رجس.
قال: أفي نور أو في ظلمة؟
فقال: في ظلمة.
فقال: أشهد أنك كذاب وإن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر، واتبعه هذا الأعرابي الجلف - لعنه الله - حتى قتل معه يوم عقربا - لا رحمه الله -.
كان من خبرهم أن رسول الله ﷺ كان قد بعث العلاء بن الحضرمي إلى ملكها المنذر بن ساوى العبدي وأسلم على يديه، وأقام فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله ﷺ توفي المنذر بعده بقليل، وكان قد حضر عنده في مرضه عمرو بن العاص، فقال له: يا عمرو هل كان رسول الله ﷺ يجعل للمريض شيئا من ماله؟