الثلاثاء، 12 فبراير 2019

وفد الحجاز وفصاحة الغلام

دخلَ على الخليفةِِ الراشدِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ – رضيَ اللهُ عنه- وفدٌ من وفد من الحجاز  ، وذلك كي يطلبوا قضاءَ بعضِ الحوائجِ التي لهم .  
أحسنَ الخليفةُ عمُر –رضيَ اللهُ عنه – استقبالَهم ، ثم طلبَ منهم أن يُفضُوا إليه بما يريدون ، وأن يتكلموا فيما جاؤوا من أجلِه  .
  ونظر عمرُ إلى الوفدِ لكي ينهضَ منهم رجلٌ يخطبُ بين يديْ الخليفةِ، ويذكرُ حاجاتِ قومِهِ.
 وقفَ من بينِ الوفدِ صبيٌّ لم يتجاوزِ الثانيةَ عشرةَ من عُمُرِه  يريدُ أن يتكلمَ ، فقال له عمرُ رضيَ اللهُ عنه:
-        ليتكلمْ من هو أكبُر منك يا فتى.
 فقال الصبيُّ ببلاغةٍ ولباقةٍ :
-         ليس الشأنُ بكِبَرِ السنِّ يا أميرَ المؤمنينَ..
فقال له عمرُ :
-        ففيمَ الشأنُ إذن؟
فقال الغلامُ :
-        إن قيمةَ المرءِ يا أميرَ المؤمنينَ لا تُقاسُ بعددِ سنواتِِِ عمرهِ ، بل المرءُ بأصغريْه : قلبِه ولسانِه .
 قال عمرُ معجباَ بفصاحةِ هذا الغلامِ ونباهتِهِ وجرأتِه:
-        ماذا تقصدُ أيهُّا الغلامُ ؟
قال الغلام :
-         قيمةُ المرءِ يا أميرَ المؤمنين بطهارةِ قلبِه، ونقاءِ سريرتهِ، وبما يحسنُ من القولِ ، ويصيبُ من الكلامِ ، ولو كان شأنُ الإنسانِ في كِبَرِ سنِّه لكان في مكانِك هذا من هو أسنُّ منك..
 أعجب عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ بالغلامِ ، فقال له:
-        أحسنتَُّ أيها الغلامُ، وما نطقتَ إلا بالصوابِ..
ثمّ أطال النظرَ فيه وقالَ:
-        تكلمْ أيُّها الغلامُ لنقضيَ حاجات قومك إنْ شاءَ اللهُ.
نهضَ الغلامُ، فتكلم بفصاحة ٍ وبلاغةٍ وحكمةٍ بَهَرَتِ الجميعَ، 
  فقال الصبي :
ماقدمنا عليك رغبةً منا ولا رهبةً منك , أما عدم الرغبه فقد
أمنا بك في منازلنا , وأما الرهبه فقد أمنا جورك بعدلك ,
فنحن وفد الشكر والسلام . فقال له عمر : عظني ياغلام ,
فقال : يا أمير المؤمنين إن أناساً غرهم حلم الله وثناء الناس
عليهم , فلا تكن ممن يغره حلم الله وثناء الناس فتزل قدمك 
,وتكون من الذين قال الله فيهم : (ولاتكونوا كالذين قالوا 
سمعنا وهم لا يسمعون ) . فنظر عمر وقال :

تعلم فليس المرء يولد عالماً .. وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل
فإن كبير القوم لا علم عنده ... صغيرٌ إذا ألتفت عليه الحجافل 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق