[41] سوق الجنة : لقي أبو هريرة سعيد بن المسيب فقال أبو هريرة : أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة ، قال سعيد : أو فيها سوق . قال : نعم أخبرني رسول الله  إن أهل الجنة إذا أدخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون الله عز وجل ويبرز لهم عرشه ويبتدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم ـ وما فيهم دنيء ـ على كثبان المسك والكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا قال أبو هريرة : قلت يا رسول الله هل نرى ربنا ؟ قال : نعم هل تتمارون (تشكون) في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟ قلنا : لا . قال : كذلك لا تتمارون في رؤية ربكم عز وجل ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله عز وجل محاضرة حتى أنه يقول للرجل منكم
لأتذكر يا فلان يوم عملت كذا وكذا . يذكره بعض غدراته في الدنيا . فيقول : يا رب أفلم تغفر لي ؟ فيقول : بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه فبينما هم كذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط ثم يقول : قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال : فنأتي سوقاً قد جفت الملائكة فيه ما مل تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الأذن ولم يخطر على القلوب . قال : فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيها شيء ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه ـ وما فيهم دنيء ـ فيروق ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل عليه ما هو أحسن منه وذلك انه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ثم ننصرف إلى منازلنا فتتلقانا أزواجنا فيقلن : مرحباً وأهلاً .. لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه . فنقول : إنا جالسنا ربنا الجبار عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا . ( نرجع بمثل ما رجعنا ) . ( رواه الترمذي وقال حديث غريب رواه ابن ماجه في سننه ج2 ص 207 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[43] لا تلتفت إلى الناس : كان جحا وابنه على طرفي النقيض في بعض السلوك فكلما أمره أبوه بشيء عارضه قائلاً : وماذا يقول الناس عنا إذا عملناه ؟ وأراد الأب جحا أن يلقن الابن درساً ينفعه ويجعله ينصرف عن محاولة إرضاء الناس لأن رضا الناس غاية لا تدرك فركب حماراً وأمر ابنه أن يسير وراءه ولم يكد الراكب والماشي يمضيان بضع خطوات حتى مر ببعض النسوة فتصايحن في جحا : ما هذا أيها الرجل أما في قلبك رحمة تركب أنت وتدع الصغير يجري متعباً من ورائك . فنزل جحا عن الحمار وأمر ابنه بالركوب فمرا بجماعة من الشيوخ جالسين في الشمس فدق أحدهما كفاً بكف ولفت أنظار الباقين إلى هذا الرجل الأحمق الذي يمشي ويدع ابنه يركب وعلق على هذا بقوله : أيها الرجل تمشي وأنت شيخ وتدع الدابة لهذا الولد وتطمع بعد ذلك أن تعلمه الحياء والأدب . قال جحا لابنه : أسمعت تعال إذاً نركب الحمار سوياً وركبا ومضيا في طريقهما وصادفا جماعة ممن يصح أن نسميهم ( أعضاء جمعية الرفق بالحيوان ) فتصايحوا بالرجل وابنه ألا تتقيان الله في هذا الحيوان الهزيل أتركبانه معاً ووزن كل منكما أثق من وزن الحمار ؟. قال جحا وقد نزل وأنزل ابنه : أسمعت ؟ تعال إذن لنمشي معاً وندع الحمار يمضي أمامنا حتى نأمن مقالة السوء من الرجال والنساء وأصدقاء الحيوان . ومضيا والحمار أمامهما يمشي فصادفا طائفة من الخبثاء الظرفاء فاتخذوا من حالهما مادة للعبث والسخرية وقالوا : والله ما يحق لهذا الحمار إلا أن يركبكما فتريحاه من وعثاء الطريق . وتمضي القصة فتقول : إن جحا سمع كلام الظرفاء الخبثاء فذهب وابنه إلى شجرة في الطريق فاقتطعا فرعاً قوياً من فروعها وربطا حمارهما عليه وحمل جحا طرفاً من الفرع وحمل الابن طرفه الآخر . ولم يمضيا على حالهما خطوات حتى كانت وراءهما زفة من الناس تضحك من هذا المنظر الفريد الذي أنهاه رجل الشرطة حين ساق جحا وابنه والحمار إلى مكان يوضع فيه المجانين ( مستشفى الأمراض العقلية ) . وحين انتهى المطاف بجحا إلى مستشفى المجاذيب كان عليه أن يوضح لابنه خلاصة التجربة التي بلغت غايتها فالتفت إليه يقول : هذه يا بني عاقبة من يسمع إلى القيل والقال ولا يعمل عملاً إلا لأجل مرضاة الناس . وكان درساً وعاه ابن جحا وحفظه لنا التاريخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[45] عذاب القبر ونعيمه : عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع النبي  في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس رسول الله وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير فقال :" استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين ـ أو ثلاثاً " ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع عن الدنيا وإقبال على الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه
كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط (طيب) من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان . قال : فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من السقاء فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال : فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل : اكتبوا عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى . قال : فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . فيقولان له : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله  فيقولان له : وما علمك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة قال : فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح . فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير . فيقول : أنا عملك الصالح . فيقول : رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي .. قال : وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح ( الثوب الخشن ) فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود ( الحديدة التي يشوى بها اللحم ) من الصوف البلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولن : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله  : لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط  فيقول الله : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحاً ثم قال : ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق  فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري . فينادي مناد من السماء أن كذب . فافرشوه من النار ، وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه . ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح . فيقول : أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول : فمن أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر . فيقول : أنا عملك الخبيث . فيقول : ( يا رب لا تقم الساعة ) . (رواه البيهقي بإسناد صحيح ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[48] ورع أبي حنيفة : - قال يزيد بن هارون ما رأيت أورع من أبي حنيفة رأيته جالساً يوماً في الشمس عند باب إنسان . فقلت له : يا أبا حنيفة لو تحولت إلى الظل . فقال لي : على صاحب هذه الدار دراهم ولا أحب أن أجلس في ظل فناء داره فأي ورع أكثر من هذا ؟ وفي رواية إنه سئل لم امتنع عن الوقوف في الظل . فقال أبو حنيفة لي : عند صاحب هذه
الدار شيء فكرهت أن استظل بظل حائطه فيكون ذلك أجر منفعة . وما أرى ذلك على الناس واجباً ولكن العالم يحتاج أن يأخذ لنفسه من علمه بأكثر مما يدعو الخلق إليه . – كما ترك أبو حنيفة رحمه الله أكل لحم الغنم سبع سنوات لما فقدت شاة في الكوفة إلى أن علم بموتها لأنه سأل أكثر ما تعيش الشاة . فقيل له : سبع سنين . فترك أكل لحمهما سبع سنين تورعاً منه لاحتمال أن تبقى تلك الشاة الحرام فيصادف أكل شيء منها فيظلم قلبه . وإن انتفى الإثم للجهل بعين الحرام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[49] قصة الخشبة العجيبة : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله  : أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه (يقرضه) ألف دينار فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم . فقال : كفى بالله شهيداً . قال : فائتني بالكفيل قال : كفى بالله كفيلاً . قال : صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زجج موضعها . ثم أتى بها إلى البحر فقال :" اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً ألف دينار فسألني كفيلاً فقلت كفى بالله كفيلاً فرضى بك وسألني شهيداً فقلت : كفى بالله شهيداً فرضى بك ، وأني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أقدر . وأني أستودعها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده ـ فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها حطباً لأهله فلما نشرها وجد المال والصحيفة . ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار . فقال : والله ما زالت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه . قال : هل كنت بعثت إلى بشيء ؟ قال : أخبرك أني لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه . قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت الخشبة وانصرف باللف الدينار راشداً " ( رواه البخاري ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[51] غيرة الصبيان على نبيهم : حكى أن غلمانا من أهل البحرين خرجوا يلعبون الكرة وأسقف البحرين قاعد فوقعت الكرة على صدره فأخذها فجعلوا يطلبونها منه فرفض فقال غلام منهم : سألتك بحرمة محمد  إلا رددتها علينا فأبى وأخذ يسب رسول الله  فأقبلوا عليه بعصيهم يضربونه حتى مات فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فوالله ما فرح بفتح ولا غنيمة كفرحة بقتل الغلمان لذلك الأسقف ، وقال : الآن عز الإسلام أن أطفالاً صغاراً شتم نبيهم فغضبوا وانتصروا وأهدر دم الأسقف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[53] من مكارم الأخلاق : أ - شتم رجل أبا ذر فقال له : يا هذا لا تستغرق في شتمنا ودع للصلح موضعاً فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه . ب - شتم رجل الشعبي الفقيه فقال له : إن كنت صادقاً يغفر الله لي وإن كنت كاذباً يغفر الله لك . ج - أسمع رجلاً عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلاماً . فقال عمر : أردت أن يستفزني الشيطان لعزة السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً فانصرف رحمك الله . د - روى عن سهل التستري رحمه الله أنه كان له جار ذمي وكان قد انبثق من كنيفه إلى بيت سهل بثق (قذارة) . فكان سهل التستري يضع كل يوم إناء كبير تحت ذلك البثق فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف جاره الذمي ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد فمكث رحمه الله على هذه الحال زماناً طويلاً إلى أن حضرت سهلاً الوفاة . فاستدعى جاره الذمي . وقال له : ادخل ذلك وانظر ما فيه . فدخل فرأى ذلك البثق والقذر يسقط منه في الإناء وضعه سهل تحته . فقال الذمي : ما هذا الذي رأى ؟ قال سهل : هذا منذ زمان طويل
يسقط من دارك إلى بيتي وأنا أتلقاه بالنهار وألقيه بالليل ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف أن لا تتسع أخلاق غيري لذلك وإلا لم أخبرك فافعل ما ترى . فقال الذمي : أيها الشيخ أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري ؟ مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . ثم مات سهل رحمه الله .  - قال حكيم : مكارم الأخلاق عشرة : العقل والعلم والحلم والصبر والصدق والشكر والجود والكرم والرفق واللين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[54] قصة الشفاعة : قال  :" أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فينظرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون ولا يحتملون . فيقول الناس : ألا ترون ما أنتم فيه إلى ما بلغكم ، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أبوك آدم فيأتونه فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة ألا تشفع لنا إلى ربك ؟ ألا ترى إلى ما نحن فيه وما بلغنا ؟ فقال : عن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت ، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح . فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح : أنت أول الرسل إلى الأرض وقد سماك الله عبداً شكوراً . ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى ما بلغنا ؟ ألا تشفع لنا إلى ربك ؟ فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي : نفسي نفسي نفسي . اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول لهم : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات : نفسي نفسي نفسي . اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى موسى . فيأتون موسى فيقولون : يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها : نفسي نفسي نفسي . اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى . فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وكلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فيقول عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنباً : نفسي نفسي نفسي . اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد  . فيأتون رسول الله  فيقولون : يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي ثم يفتح الله علي من محامده (الثناء عليه) وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد من قبلي ، يقال : يا محمد ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفع . فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب ، فيقال : يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب " ثم قال :" والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين (جانبا الباب ) من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى "(رواه البخاري ومسلم ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[55] قصة المسيح الدجال وعلامات الساعة : - للقيامة علامات صغرى وكبرى : ● فمن العلامات الصغرى : ظهور الفتن وكثرة القتل وانتشار الرذيلة وظهور الفواحش والمنكرات من الزنى وشرب الخمر ولعب القمار والتباهي بفعل القبيح
حتى يصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر .. وأيضاً من أشراط الساعة الصغرى أن يرفع العلم ، ويظهر الجهل ،
ويكثر النساء ويقل الرجال ويلبس الحرير وتتخذ القينات يعني المغنيات ويمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني كنت مكانه ومن علاماتها الصغرى كذلك أن يظهر الدعاة المضلون والقادة المنحرفون وأن تضيع الأمانة بإسناد الأمر إلى غير أهله ، وكذلك قلة الخيرات والأمطار وكثرة الزلازل والفيضانات وتغلو الأسعار وتخرج النساء متبرجات كاسيات عاريات . ومن علاماتها كذلك وقوع المعركة الفاصلة بين اليهود والمسلمين فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الشجر أو الحجر : يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال قاتله . إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود . وأيضاً من علامات الساعة الصغرى تقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة كالضرمة من النار . ومن علاماتها كذلك إضاعة الصلاة والميل مع الهوى وتصديق الكاذب وتكذيب الصادق وأن يؤتمن الخائن ويخون الأمين ويذهب القرآن فلا يبقى إلا رسمه وتحلى المصاحف بالذهب وتكون المخاطبة للنساء وتزخرف المساجد . ● ومن العلامات الكبرى للساعة : أ – طلوع الشمس من مغربها : قال  :" لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً . ب – الدخان : قال تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم  والمراد بالدخان ما يظهر قبل الساعة من دخان كثيف يملأ ما بين السماء والأرض يأخذ بأنفاس الكافرين حتى يكادوا يختنقون ، ويكون للمؤمنين كهيئة الزكام ويمكث في الأرض أربعين يوماً . ج – خروج الدابة التي تكلم الناس : ومن علامات الساعة الكبرى خروج دابة من الأرض تكلم الناس بلغة فصحى يفهمها كل من سمعها تخبرهم أن الناس كانوا لا يؤمنون بآيات الله . وهذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق فتخاطبهم مخاطبة ، وتقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ، وتخرج هذه الدابة ومعها عصا موسى ، وخاتم سليمان عليهما السلام فتحطم أنف الكافر بالخاتم وتجلو وجه المؤمن بالعصا حتى يعرف المؤمن من الكافر . د – خروج المسيح الدجال : ويسمى الأعور الدجال أنه أعور العين اليسرى وفتنته من أعظم الفتن التي تصيب الناس في آخر الزمان وهذا الأعور الدجال لا يدعى النبوة فقط وإنما يدعي الربوبية وتظهر على يديه بعض الخوارق استدراجاً من الله تعالى له وابتلاء للناس . فيقول للسماء : أمطري فتمطر ، ويقول للأرض أخرجي نباتك وكنوزك فتخرج . ويقتل إنساناً ثم يحييه ويطوف الأرض فلا يبقى بلد إلا يدخلها ويفسد فيها إلا مكة والمدينة فإنه إذا أراد أن يدخلها وجد الملائكة تحرسها فيرجع خائباً ، ويكون أول ظهوره من مدينة تسمى أصبهان ، ويتبعه في بدء أمره سبعون ألفاً من اليهود . ثم يتبعه السفلة والجهلة والرعاع من الخلق وتبقى الأرض أربعين يوماً ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامنا . وكل ذلك وردت به الأحاديث الصحاح وسنذكر بعضاً منها بعون الله . ● قال  :" ما من نبي إلا وقد أنذر لأمته الأعور الكذاب إلا أنه أعور وإن ربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه (كفر) أي كافر يقرؤه كل مسلم ". ● قال  :" إن الدجال يخرج وإن معه ماء وناراً فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراّ فإنه ماء عذب طيب ". ● وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : ذكر رسول الله  الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل ، ( يعني حقر شأنه بكونه أعور مكتوب بين عينيه كافر ، وعظم فتنته لاشتمالها على خوارق العادات ، والمعنى : أن النبي  . بالغ في تقريب خروجه ، واستعمل فيه كل فن ، من خفض ورفع ـ حتى ظنناه ـ للمبالغة في تقريبه ـ أنه في طائفة ـ أي ناحية وجانب ـ النخل ـ بالمدينة ) قال :" غير الدجال أخوفني عليكم : إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه ( قاطع حجته ومدحضها )
دونكم ، وإن يخرج ولست فيكم فالمرء حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم ، وإنه شاب قطط ( شديد جعودة الشعر ) عينه طافية ( ذهب نورها ) كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن ( شخص هلك في الجاهلية ) فمن أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ، إنه خارج خلة (بين) الشام والعراق . فعاث ( فاشتد فساده ) يميناً وعاث شمالاً ، يا عباد الله فاثبتوا ( على الإيمان ولا تزيغوا عنه ) قلنا : يا رسول الله ، وما لبثه في الأرض ؟ قال :" أربعين يوماً : يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر (باقي) أيامه كأيامكم " قلنا : يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال :" لا اقدروا له قدره " قلنا : يا رسول الله ، وما إسراعه في الأرض ؟ قال :" كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء (بالمطر) فتمطر ، والأرض ( يأمرها بالنبات ) فتنبت فتروح ( ترجع ) عليهم سارحتهم ( المال السائم ) أطول ما كانت ذرى ، وأسبغه ضروعاً وأمره خواصر ( يعني ترجع الماشية آخر النهار على أحسن حال من كثير المرعى ، عظيمة السنام مرتفعة من السمن والشبع ) ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله ( ويثبتون على التوحيد ) فينصرف عنهم ( راجعاً ) فيصبحون ممحلين ( يصيرون مجدين ينقطع عنهم المطر وييبس الكلأ ) ليس بأيديهم شيء من أموالهم ويمر بالخربة (الخراب) فيقول لها : أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كعاسيب النحل ( ذكور النحل ) . ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ( قطعتين متباعدين مقدار الرمية ) ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك . فبينما هو كذلك ( على الإفساد في العباد ) إذ بعث الله تعالى المسيح ابن مريم صلى الله عليه وسلم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين ( أي لابساً ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران ) واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه (أرخاه) قطر ( ظهر الماء منه ) وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ( حبات من الفضة ) ( يعني يتحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفاته ) فلا يحل لكافر يجد نفسه إلا مات ونفسه ينتهي إلى حيث ينتهي طرفي . فيطلبه ( يطلب عيسى عليه السلام الدجال حينئذ ) حتى تدركه بباب لد ( اسم مكان بالشام ) فيقتله . ثم يأتي عيسى  قوماً قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة . فبينما هو كذلك إذا أوحى الله تعالى إلى عيسى  إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان ( لا طاقة ) لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ( أي ضمهم إلى الطور واجعله حرزاً ) ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون (يسرعون) فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ، ويمر أخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء . ويحصر ( من المحاصرة والضيق ) نبي الله عيسى  وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ( لحاجتهم إلى الطعام ) فيرغب ( يلجأ ويدعو ) نبي الله عيسى  وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى ( ابتهلوا وتضرعوا إلى الله تعالى واسألوه رفع أذى يأجوج ومأجوج في إهلاكهم ) فيرسل الله تعالى النغف ( دود يكون في أنوف الإبل والغنم ) في رقابهم فيصبحون فرسى (قتلى) كموت واحدة ( أي يموتون دفعة واحدة ) ثم يهبط نبي الله عيسى  وأصحابه رضي الله عنهم إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ( أي رائحتهم الكريهة ) فيرغب ( يتضرع ) نبي الله عيسى  وأصحابه رضي الله عنهم إلى الله تعالى فيرسل الله طيوراً كأعناق البخت (الإبل) فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ن ثم يرسل الله عز وجل مطراً لا يكن ( لا يستر ولا يمنع ) منه بيت مدر ولا بر ( الطين الصلب والخباء ) فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة (كالمرآة) ثم يقال للأرض أنبتي ثمرك وردى بركتك ، فيؤمئذ تأكل العصابة من الرمانة ( تأكل الجماعة من الرمانة لكمال كبرها وبركتها ) ويتظلمون بقحفها (بقشرها) ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة (القريبة العهد بالولادة) من الإبل لتكفي الفئام ( الجماعة الكثيرة ) من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ (دون القبيلة ) من الناس . فبينما هم كذلك
. إذا بعث الله تعالى ريحاً طيباً فتأخذهم تحت آباطهم روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحر ( تجامع الرجال النساء علانية بحضرة الناس كما تفعل الحمير ) فعليهم تقوم السعة "( رواه مسلم ) .  - نزول عيسى بن مريم عليه السلام : - ومن علامات الساعة الكبرى نزول السيد المسيح عيسى بن مريم . وقد أشارت إلى ذلك الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة قال تعالى : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً  أي ما من أهل الكتاب إنسان إلا سيؤمن بعيسى قبل موته ويوم القيامة سيشهد عيسى عليهم . وقال تعالى : وأنه لعلم للساعة فلا تمترون بها واتبعون هذا صراط مستقيم  أي أن عيسى علامة على قرب الساعة ونزوله قد تواترت به الأخبار ، فهو الآن حي في السماء رفعه الله إليها بروحه وجسده ، وسينزل إلى الأرض حاكماً عدلاً يحكم بشريعة المرسلين محمد  .
- روى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله  قال :" والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية (يبطل الجزية فلا يقبل إلا الإسلام ) ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون
السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها " وقد ثبت في الصحاح أيضاً أن عيسى هو الذي سيقتل الدجال وبعد أن تنتهي مهمة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام يموت فيصلي عليه المسلمون ، ويدفن في الحجرة النبوية الطاهرة . و – خروج يأجوج ومأجوج : ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون  وفي قوله تعالى : قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً  ، وهما قبيلتان من ذرية يافث بن نوح ، يخرجون في آخر الزمان بعد خراب السد الذي بناه "ذو القرنين" فيفسدون في الأرض بأنواع البغي والفساد ، وهم لكثرتهم يأكلون كل ما يلقونه من طعام ونبات ، ويشربون بحيرة طبرية حتى كأنه ليس بها ماء . ز – خروج النار وطردها الناس إلى أرض المحشر : وهذه النار تخرج من أرض عدن وهي نار عظيمة مخيفة لا يطفئها شيء ، تسوق الناس إلى المحشر (أي الموقف والمجمع ) وهي من علامات الساعة الكبرى ، فنسأل الله أن يجيرنا من نار الدنيا ونار الآخرة ، وأن ينجينا من أهوال الساعة بفضله وكرمه ، وإنه سميع قريب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[57] أسباب عدم إجابة الدعاء : حكى أن إبراهيم رحمه الله مر بسوق البصرة فاجتمع الناس إليه وقالوا له : يا أبا إسحاق ما لنا تدعو فلا يستجاب لنا . قال : لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء : (الأول) : عرفتم الله ولم تؤدوا حقه . (والثاني) : زعمتم أنكم تحبون رسول الله  وتركتم سنته . و(الثالث) : قرأتم القرآن فلم تعملوا به . و(الرابع) : أكلتم نعم الله ولم تؤدوا شكرها . و(الخامس) : قلتم إن الشيطان عدو لكم ولم تخالفوه . و(السادس) : قلتم إن الجنة حق ولم تعملوا لها . و(السابع) : قلتم إن النار حق ولم تهربوا منها . و(الثامن) : قلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له . و(التاسع) : انتبهتم من النوم فاشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم . و(العاشر) : دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[58] فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد : (أ) – روى أن عابداً من بني إسرائيل كان يعبد الله سبحانه وتعالى في صومعة فوق الجبل ، وذات يوم خرج كعادته لكي يتجول متأملاً في ملكوت الله تعالى حول صومعته ، وأثناء تجوله هذا رأى في طريقه جثة آدمي تنبعث منها رائحة كريهة ، فمال العابد إلى اتجاه آخر حتى يتفادى شم هذه الرائحة . عند ذلك ظهر له الشيطان في صورة رجل من الصالحين الناصحين ، وقال له : لقد تبخرت حسناتك ولم يعد لك رصيد منها عند الله فقال له العابد : ولم ؟ قال : لأنك أبيت أن تشم رائحة آدمي مثلك . وعندما ظهر الألم على وجه العابد قال له الشيطان
مشفقاً وناصحاً إذا أردت أن يغفر الله لك زلتك فإني ناصحك بأن تصطاد فأراً جبلياً وتعلقه في رقبتك على أن تعبد الله به طوال حياتك . ونفذ العابد الجاهل نصيحة الشيطان الذي كان يتحين له الفرص ؛ فاصطاد الفأر الجبلي ، وظل يتعبد به حاملاً النجاسة أكثر من ستين عاماً إلى أن مات ( فبطلت كل عبادته ) . وقد ورد أن النبي  قال معلقاً على الخبر :" مسألة علم ـ أو مجلس علم ـ خير من عبادة ستين سنة ". ب – وروي عن عبد القادر الجيلاني رحمه الله أنه كان يمشي ذات يوم في الصحراء فتراءى له نور عظيم في الأفق ثم سمع صوتاً ينادي يا عبد القادر أنا ربك وقد أحللت لك المحرمات فقال له : اخسأ يا لعين . فإذا بهذا النور ينقلب ظلاماً وإذا بالصوت يقول له يا عبد القادر لقد نجوت مني بعلمك بأمر ربك وفقهك ولقد أضللت بمثل هذه سبعين من كبار العباد ولولا علمك لضلك مثلهم . ج – روى عن عيسى عليه السلام كان ذات يوم يقف فوق الجبل فجاءه إبليس وقال له : ألستم تقولون إن الإنسان إذا أراد الله له الموت لابد من موته ؟ قال : نعم . قال : وإلا . قال : فلن يموت . عند ذلك قال إبليس ـ عليه اللعنة ـ لسيدنا عيسى عليه السلام : إذن فاقذف بنفسك من فوق الجبل فإن كان الله قد أراد لك الموت فستموت وإلا فلا . فقال له سيدنا عيسى عليه السلام : اخسأ يا لعين إن لله تعالى أن يمتحن عبده وليس للعبد أن يختبر ربه . د – وروي أن الشافعي رحمه الله كان يجلس ذات يوم في مجلس الدرس فإذا بإبليس عليه اللعنة يجلس بين تلاميذه في صورة رجل منهم ثم يوجه إليه هذا السؤال : ما قولك فيمن خلقني كما اختار واستخدمني فيما اختار وبعد ذلك إن شاء أدخلني الجنة وإن شاء أدخلني النار .. أعدل في ذلك أم جار ؟ وبنور من الله عرفه الشافعي فأجابه قائلاً : يا هذا إن كان خلقك ما تريد أنت فقد ظلمك وإن كان خلقك لما يريد هو فلا يسئل عما يفعل .  - روي أن رجلاً من بني إسرائيل صام سبعين سنة يفطر في كل يوم سنة سبعة أيام فسأل الله تعالى أن يريه كيف يغوي الشيطان الناس فلما طال عليه ذلك ولم ير هذا ، قال : لو اطلعت على خطيئتي وذنبي بيني وبين ربي لكان خيراً لي من هذا الأمر الذي طلبته فأرسل الله إليه ملكاً فقال له : إن الله أرسلني إليك وهو يقول لك : إن كلامك هذا الذي تكلمت به أحب إلي مما مضى من عبادتك وقد فتح الله ببصرك فانظر ، فنظر فإذا جنود إبليس قد أحاطت بالأرض وإذا ليس أحد من الناس إلا والشياطين حوله كالذئاب فقال يا رب فمن ينجو من هذا قال : الورع اللين . و – قيل إذا أصبح إبليس بث جنوده في الأرض فيقول من أضل مسلماً ألبسته التاج . فيقول له القائل من جنوده الشياطين : لم أزل بفلان حتى طلق امرأته . قال يوشك أن يتزوج . ويقول آخر : ولم أزل بفلان حتى عق والديه . قال : يوشك أن يبر . ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى زنا . قال : أنت ، ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى شرب الخمر ، قال : أنت . ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى قتل . فيقول : أنت أنت . – وقيل إن الشيطان قال للمرأة : أنت نصف جندي وأنت سهمي الذي أرمي له فلا أخطئ وأنت موضع سري وأنت رسولي في حاجتي . ز – عن الحسن قال : كانت شجرة تعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال : لأقطعن هذه الشجرة . فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال : ما تريد ؟ قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله . قال : إذاً أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال : لأقطعنها . فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك ، لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك . قال : فمن أين لي ذلك . قال : أنا لك فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته وقال : ما تريد ؟ قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى . قال : كذبت مالك إلى ذلك سبيل . فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد أن يقتله ، قال : أتدري من أنا ؟ أنا الشيطان جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل فخدعتك بالدينارين فتركتها فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك . ح – ويقال : إن إبليس
لعنه الله ظهر لفرعون في صورة رجل وهو في الحمام فأنكره فقال له إبليس : ويحك أما تعرفني ؟ فقال : فكيف ؟ وأنت خلقتني ؟ ألست القائل : أنا ربكم الأعلى . – وظهر إبليس لسليمان عليه السلام فسأله سليمان : أي الأعمال أحب إليك وأبغض إلى الله تعالى ؟ فقال : لولا منزلتك عند الله تعالى ما أخبرتك إني لست أعلم شيئاً أحب إلي من استغناء الرجل بالرجل (اللواط) واستغناء المرأة بالمرأة . – كان هناك شخص يلعن إبليس كل يوم ألف فبينما هو ذات يوم نائم أتاه شخص وأيقظه وقال له : قم فإن الجدار سيسقط عليك . فقال له : من أنت الذي أشفقت علي هذه الشفقة ؟ فقال له : أنا إبليس . فقال له : كيف هذا وأنا ألعنك كل يوم ألف مرة ؟ فقال : هذا لما علمت من منزلة الشهداء عند الله تعالى فخشيت أن تكون منهم فتنال معهم كما ينالون . ( ملحوظة ـ صاحب الهدم أي الذي سيسقط عليه الجدار أو يموت تحت بناء يعتبر شهيداً لقوله  :" الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله عز وجل ". (رواه مسلم)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[59] عمر واختباره للولاة : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يختبر الولاة بنفسه أثناء ولاستهم على البلاد فيسأل الشعب عنهم وعن صلاحيتهم للحكم فجاء يوماً إلى حمص وكان سعيد بن عامر الجمحي والياً عليها فجمع أهلها وقال لهم : يا أهل حمص كيف وجدتم واليكم سعيد ... فقالوا : نشكو منه أربعاً : لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار ، ولا يجيب أحداً بليل وله يوم من الشهر لا يخرج فيه إلينا ، وتأخذه غشية فتجعله بين الحياة الموت . فما كان من عمر إلا أن جمع بين سعيد بن عامر وبينهم وقال : اللهم لا تغير رأي فيه بما يشكون منه اليوم . وعندما سمع سعيد ما يشكون منه . قال : أما عن عدم خروجي إليهم حتى يتعالى النهار فإنه ليس لأهلي خادم فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ وأخرج إليهم ، وأما عن عدم إجابتي لأحد بليل فإني جعلت النهار لهم ، وجعلت الليل لله عز وجل . وأما عن اليوم الذي لا أخرج فيه لأحد من الشهر فإنه ليس لي خادم يغسل ثيابي وليس لي ثياب أبدلها حتى تجف ثم ألبسها وأخرج إليهم آخر النهار . وأما عن الغشية التي تجعلني بين الحياة والموت فسببها مؤلم وهو أني شهدت مصرع خبيب بن عدي الأنصاري وقد قطعت قريش لحمه ثم حملوه على جذع شجرة ممعنين في تعذيبه وإيلامه ليكفر بمحمد  وقالوا له : أتحب أن نجعل محمداً الذي تدين بدينه في مكانك فرد عليهم قائلاً : والله لا أحب أن أكون حياً بين أهلي وأن محمداً يشك بشوكة في أصبعة تؤلمه . فما ذكرت ذلك اليوم وذلك النداء وتركي نصرة خبيب وهو في تلك الحالة البشعة وقد كنت في ذلك مشركاً في ذلك لا أؤمن بالله العظيم ولا نبيه الكريم إلا ظننت أن الله لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً وحينئذ تصيبني رعشة وغشية . فقال عمر : الحمد الله الذي لم يغير رأي فيك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[60] الرحمة بالحيوان من أسباب المغفرة : ● قال  :" بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفمه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ". (رواه البخاري ومسلم ) . ● وفي رواية في الصحيحين :" بينما كلي يطيف بركيه ( يدور حول بئر ) قد كاد يقتله العطش ، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها (نعلها) فاستقت له به فسقته ، فغفر لها به ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ