[61] قصة فتنة سليمان عليه السلام : قال  :" سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة كلهن
تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله . فقال له صاحبه : قل إن شاء الله . فلم يقل إن شاء الله . فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل . والذي نفسي بيده ، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون ". (رواه البخاري ومسلم) ، وفيهما أيضاً عن النبي  أنه قال :" قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهم فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجيء به على كرسيه فوضع في حجره فو الذي نفسي بيده لو قال إن شاء لجاهدوا كلهم في سبيل الله فرساناً أجمعون فذلك قوله تعالى : ولقد فتنا سليمان  .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[62] قصة آدم وموسى عليهما السلام : قال  :" احتج آدم وموسى فقال له موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة . قال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده أتلومني على أمر قدره الله على قبل أن يخلقني بأربعين سنة . فحج آدم موسى فحج آدم موسى ". (رواه البخاري) . فائدة هامة : غلب آدم موسى بالحجة ، لأن المصائب يحتج فيها بالقدر بخلاف المعاصي ، لأن المصيبة لم يردها الإنسان ولم يأتها مختاراً . وإنما تقع عليه بدون علم منه ولا إرادة ولا اختيار فيحسن الاحتجاج بالقدر تخفيفاً من آلامها . أما المعائب ( الذنوب والمعاصي ) فإن العبد يأتيها مريداً لها وهو يعلم أن الله تعالى قد حرمها وكرهها ، فإذا فعلها لم يصح منه عقلاً ولا شرعاً أن يحتج عليها بإرادة الله تعالى وقدره بحال من الأحوال . يقول شيخ الإسلام بن تيمية : وموسى عليه السلام أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه وهداه واصطفاه ، وآدم أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة بسبب خطيئة أبيهم ، فذكر الخطيئة تنبيهاً على سبب المصيبة والمحنة التي نالت الذرية ، ولهذا قال له أخرجتنا ونفسك من الجنة في رواية وفي لفظ آخر (خيبتنا) فاحتج آدم بالقدر على المصيبة ، وقال : إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئة كانت مكتوبة بقدره قبل خلقه ، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب أي أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[65] أنوار عمرية : ● اشترى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهو أمير المؤمنين حصاناً وسار بعيداً عن البائع وركبه ليجربه .. فأصيب الحصان بعطب . فساورته نفسه بإرجاعه ظناً منه أن البائع خدعه فيه . ولكن البائع رفض قبول الحصان من أمير المؤمنين . فماذا يفعل أمير المؤمنين أمام هذا الرجل المشاكس ؟ هل يأمر باعتقاله ؟ هل يلفق له تهمة ؟ أبداً لقد قدم في حقه شكوى . لكن الرجل المشكو أصر على أن يختار هو القاضي واختار فعلاً (شريح) القاضي المشهور بالعدل ووقف أمير المؤمنين في قفص الاتهام . وصدر الحكم ضد عمر وفقاً للقانون العدل قائلاً لعمر : خذ ما ابتعت أو رد كما استلمت . ويقول عمر مسروراً وهو ينظر إلى شريح قائلاً :" وهل القضاء إلا هكذا " ثم لا يأمر بسجن القاضي ولا باتهامه بالعمالة أو إزعاج أمن الدولة وإنما يعينه قاضياً على الكوفة مكافأة له . ● وعندما وصلت أقمشة يمنية ووزعت على المسلمين عدلاً ومساواة ولبس عمر بن الخطاب ثوباً أكبر من حقه ( لأنه كان طويلاً ) ولمس المسلمون ذلك لأن الأشياء كانت توزع علانية . وصعد عمر المنبر ليخطب ويحثهم على الجهاد مرتدياً هذا الثوب وقال لهم :" اسمعوا وأطيعوا " فلا يصله دوي من التصفيق الحاد والملتهب ، وإنما يتصاعد إليه صوت قوي يقول : لا سمع ولا طاعة . ولا يتقدم في هذا الموقف عشرات الجنود المدجيين بالسلاح فيغمزون هذا المتبجح بسيل من اللكمات والقنابل المسيلة للدموع . ولكن الجو يهدأ ويقول له عمر في هدوء : لماذا ؟ يرحمك الله ( يدعو له بالرحمة ) فيقول الرجل بنفس الجرأة : أخذت من القماش مثلما
أخذنا . فكيف فصلته قميصاً وأنت أطول منا ؛ لابد أن هناك شيئاً خصصت به نفسك . ويدافع عمر عن نفسه ، وينادي على ابنه عبد الله كشاهد نفي ويعلن عبد الله بن عمر أنه تنازل عن نصيبه لأبيه حتى يمكنه أن يحصل على قميص كامل يتمكن به من ستر العورة والاجتماع بالناس ويجلس الرجل في هدوء من جديد وهو يقول :" الآن نسمع ونطيع ". ● وعاش عمر ككل الناس يشعل قنديلاً (مصباحاً) هزيلاً بالليل يتحدث فيه عن أمور الدولة فإذا شاء محدثه أن يخرج به من شئون المسلمين أطفأ المصباح ، فهذا المصباح ملك للدولة . ومن هنا فلا يصح أن يستخدم في أغراض خاصة . ● وجاء يوم الجمعة واجتمع الناس ينتظرون الخطيب الذي هو عمر وأبطأ عمر عليهم وطال انتظارهم ، ثم خرج عمر عليهم فصعد المنبر واعتذر عن إبطائه عليهم . ولما سألوا عن سبب تأخره تبين أن أمير المؤمنين عمر كان قد غسل قميصه الذي كان لا يملك غيره ثم انتظره حتى جف ولبسه وأتى المسجد ليخطب . ● وخرج عمر في جولته الليلة يتحسس أخبار الرعية ، فوصل إلى خيام على بعد ثلاثة أميال من المدينة . استلفت نظره فيها خيمة نارها مشتعلة ، فلما اقترب رأى امرأة وحولها صغار يبكون ، فسأل عمر عن حالهم فقالت المرأة : ضربنا البرد والليل . قال عمر : فما بال الصبية يبكون ؟ وتجيب المرأة : يبكون من الجوع . ويسأل عمر : وماذا في القدر ؟ قالت : ماء أسكتهم به حتى يناموا ، ثم تقول المرأة : الله بيننا وبين عمر ، وهي لا تعرف أن الذي يكلمها هو عمر . فيقول لها عمر : يرحمك الله ، وما يدري عمر بكم . فترد المرأة قائلة :" سبحان الله أيتولى أمرنا ويغفل عنا " ويهرع عمر إلى بيت المال ويعود ويحمل على كتفه الطعام بنفسه ويحمل لها جوال الدقيق والزيت على ظهره بنفسه ، ويأبى أن يحمل عنه أحد ذلك قائلاً إن أحداً لن يحمل عنه ذنوبه يوم القيامة . ويطبخ عمر أمير المؤمنين للصبية طعامهم والمرأة تتعجب من صنيعه ، وتقول له :" جزاك الله خيراً أنت والله أولى بالحكم من أمير المؤمنين عمر ". ● وذات يوم عاقب أبو موسى الأشعري جندياً في جيش العراق فحلق شعره واعتبر الجندي أن هذه العقوبة غير عادلة . فجمع شعره وسافر به من العراق إلى المدينة ودخل على أمير المؤمنين عمر فقذف بالشعر في مجلسه وقال : هكذا يعاملنا رجالك . فتهلل وجه عمر وقال : لأن يكون الناس كلهم في مثل شجاعة هذا الرجل أحب إلي من كل ما فتحنا من بلاد ـ تلك أمتنا وذلك تراثنا وليس ( ضربك شرف يا أفندينا ). ● وكان عمر يسير ليلاً فإذا بامرأة تهتف باسم نصر بن حجاج وتمنت أن تشرب الخمر وتلقاه وتقول : هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل من طريق إلى نصر بن حجاج . فأرسل إليه فإذا نصر بن حجاج أحسن الناس شعراً وأحسنهم وجهاً وجمالاً فأمره عمر أن يقصر شعره فقصره ، فازداد جمالاً ، فأمره عمر أن يلبس عمامة ، فزادته العمامة جمالاً وزينة ، فقال عمر : لا يسكن معي رجل تهتف به النساء ، فأعطاه مالاً كثيراً وأرسله إلى البصرة ليعمل في تجارة تشغله عن النساء ، وتشغل النساء عنه . ● وكان عمرو بن العاص والياً لمصر وكان ابنه يجري الخيل للسباق فنازعه للسباق بعض المصريين واختلفا بينهما ، لمن يكون الفرس السابق وغضب ابن الوالي وضرب المصري وهو يقول له : أتسبق ابن الأكرمين ؟ فغضب المصري ورفع شكوى إلى أمير المؤمنين عمر فاستدعى عمر الوالي على مصر (عمرو ابن العاص ) وابنه . ونادي بالمصري وجمع الناس وأمر المصري أن يضرب خصمه قائلاً له : اضرب ابن الأكرمين ، ثم أمره أن يضرب الوالي لأن ابنه لم يجرؤ على ضرب الناس إلا بسلطانه وصاح بعمرو بن العاص قائلاً له : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً . ● وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه دائم البكاء من خشية الله تعالى لدرجة أنك كنت ترى على وجهه خطين أسودين من كثرة انحدار الدموع وكان شديد الخوف من الله تعالى ومع هذا كان يقول : ليت أمي لم تلدني ليتني كنت شعرة في جسم أبي بكر الصديق وكان يقول : لو نادى مناد أن كل الناس يدخلون الجنة إلا واحداً لظننته أنا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[66] وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها : روي أن رجلاً جلس تحت شجرة من النخيل ثم استلقى على ظهره فإذا به يرى عصفوراً بفمه ثمرة من نخلة مثمرة إلى أخرى غير مثمرة ، ثم رأى هذا العمل يتكرر فعجب لذلك وقال في نفسه : لأصعدن هذه النخلة لأتبين الأمر ، فصعد فإذا به يرى داخل سعف النخلة حية عمياء فاتحة فمها والعصفور يلقي بالثمر في فمها ، فعجب من ذلك وقال : صدق الله حيث يقول : وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها  . – ويحكى أن ابن أبشاذ النحوي كان يوماً على سطح جامع مصر وهو يأكل شيئاً وعنده ناس فحضرهم قط فقدموا له لقمة فأخذها في فمه وغاب عنهم ثم عاد إليهم ، فرموا له شيئاً آخر ففعل كذلك وتردد مراراً وهم يرمون له وهو يأخذه ويغيب ثم يعود من فوره حتى عجبوا من ذلك القط ، وعلموا أن مثل هذا الطعام لا يأكله وحده لكثرته فلما شكوا في أمره تبعوه فوجدوه يصعد إلى حائط في سطح الجامع ، ثم ينزل إلى موضع تجاه بين خراب وفيه قط آخر أعمى وكل ما يأخذ من الطعام يحمله إلى ذلك القط ويضعه بين يديه وهو يأكله . فعجبوا من تلك الحال فقال ابن أبشاذ : إذا كان هذا حيوان أخرس قد سخر الله له هذا القط وهو يقوم بكفايته ولم يحرمه الرزق فكيف يضيع مثلي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[67] قصة البطاقة والسجلات : قال  :" إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مد البصر . فيقول أتنكر من هذا شيئاً ؟ فيقول : لا يا رب . فيقول : أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب . فيقول : أفلك عذر أو حسنة ؟ فيقول : لا يا رب . فيقول الله عز وجل : بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فيقول : احضر وزنك . فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع السجلات ؟ فيقول : إنك لن تظلم فتوضع السجلان في كفة والبطاقة في كفة ، فطاشت (خفت) السجلات وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء " . أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب والبيهقي والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[68] قصة ذبح الموت : قال  :" يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد : يا أهل الجنة فيشرئبون ( يمدون أعناقهم ) وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم هذا الموت . وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه . فيذبح ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت " وفي رواية :" فيزداد أهل الجنة إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم " ثم قرأ : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون  وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا . رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري واللفظ له وأخرجه الشيخان عن ابن عمر ولفظهما قريب من ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[69] الرضا بمر القضاء : أ - يحكى أن رجلاً من الصالحين مر على رجل ضربه الفالوج والدود يتنائر من جنبيه وأعمى وأصم وهو يقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه . فتعجب الرجل ثم قال له : يا أخي ما الذي عافاك الله منه لقد رأيت جميع المصائب وقد تزاحمت عليك . فقال له : إليك عني يا بطال فإنه عافاني إن أطلق لساناً يوحده وقلباً يعرفه وفي كل وقت يذكره . ب - ويحكى أن أحد الصالحين كان إذا أصيب بشيء أو ابتلي به يقول خيراً وذات ليلة جاء
ذئب فأكل ديكاً له ، فقيل له به فقال : خيراً ، ثم ضُرب في هذه الليلة كلبه المكلف بالحراسة فمات . فقيل له ، فقال : خيراً ، ثم نهق حماره فمات ، فقال : خيراً إن شاء الله . فضاق أهله بكلامه هذا ذرعاً . ونزل بهم في تلك الليلة عرب أغاروا عليهم فقتلوا كل من بالمنطقة ولم ينج غيره ويسلم هو وأهل بيته . استدل العرب النازلون على الناس بصياح الديك ونباح الكلب ونهيق الحمير وهو قد مات له كل ذلك فكان هلاك هذه الأشياء خيراً وسبباً لنجاته من القتل فسبحان المدبر الحكيم ج – قال المدائني : رأيت بالبادية امرأة لم أر جلداً ولا أنضر منها ولا أحسن وجهاً منها ، فقلت : تالله إن فعل هذا بك الاعتدال والسرور ، فقالت : كلا والله إن لدي أحزان وخلفي هموم ، وسأخبرك : كان لي زوج وكان لي منه ابنان فذبح أبوهما شاة في يوم عيد الأضحى والصبيان يلعبان ، فقال الأكبر للأصغر : أتريد أن أريك كيف ذبح أبي الشاة ، قال : نعم ، فذبحه . فلما نظر إلى الدم جزع ففزع نحو الجبل فأكله الذئب فخرج أبوه في طلبه فتاه أبوه فمات عطشاً فأفردني الدهر فقلت لها : وكيف أنت والصبر ؟ فقالت : لو دام لي لدمت له ولكنه كان جرحاً فاندمل . د – قال الشافعي رحمه الله عند موت ابنه : اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت وإن كنت أخذت فقد أبقيت ، أخذت عضواً وأبقيت أعضاء ، وأخذت ابناً وأبقيت أبناء .  - قال الأحنف بن قيس : شكوت إلى عمي وجعاً في بطني فنهرني وقال : إذا نزل شيء فلا تشكه لأحد فإنما الناس رجلان صديق تسوءه وعدو تسره ، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه ، ولكن أشك لمن ابتلاك به فهو قادر على أن يفرج عنك ، يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها من أربعين سنة وما أطلعت على ذلك امرأتي ولا أحداً من أهلي . وكان أحد الصالحين مبتلى في أولاده ، فكلما جاءه ولد وترعرع قليلاً وفرح به خطفه الموت ، وتركه حزيناً كسير القلب ، ولكن الرجل لشدة إيمانه لا يملك إلا أن يحتسب ويصبر ويقول ( لله ما أعطى ولله ما أخذ ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها ) حتى كان الولد الثالث وبعد سنوات مرض الولد واشتد به المرض وأشرف على الموت ، والأب إلى جواره تدمع عينه ، فأخذته سنة من النوم فرأى في منامه أن القيامة قد قامت ، وأن أهوال القيامة قد برزت فرأى الصراط وقد ضرب على متن جهنم واستعد الناس للعبور ، ورأى الرجل نفسه فوق الصراط ، وأراد أن يمضي فخشي الوقوع فجاءه ولده الأول الذي مات يجري وقال : أنا أسندك يا أبتاه ، وبدأ الأب يسير ولكنه خشي أن يقع من الناحية الأخرى فرأى ولده الثاني يأتيه ويمسك بيده من الناحية الثانية ، وفرح الرجل أيما فرح ، وبعد أن مضى قليلاً شعر بعطش شديد ، فطلب من أحد ولديه أن يسقيه . قالا: لا إن أحدنا إن تركك وقعت في النار فماذا نفعل . قال أحدهما : يا أبي لو كان أخونا الثالث معنا لسقاك الآن . وتنبه الرجل من نومه مذعوراً يحمد الله على أنه لا يزال على قيد الحياة ولم تحن القيامة بعد ، وحانت منه التفاته نحو ولده المريض بجانبه فإذا هو قد قبض (مات) فصاح : الحمد لله لقد ادخرتك ذخراً وأجراً وأنت فرطي على الصراط يوم القيامة ، وكان موته برداً وسلاماً على قلبه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[70] أم الخبائث : قام عثمان بن عفان رضي الله عنه خطيباً ، فقال : أيها الناس ، اتقوا الخمر فإنها أم الخبائث وإن رجلاً كان قبلكم من العباد وكان يختلف إلى مسجده فلقيته امرأة سوء فأمرت جاريتها فأدخلته المنزل وأغلقت الباب وعندها خمر وصبي فقالت : لا تفارقني حتى تشرب كأساً من هذا أو تواقعني أو تقتل هذا الصبي وإلا صحت وقلت هذا دخل بيتي ، فمن ذا الذي يصدقك فقال الرجل : أما الفاحشة فلا آتيها وأما النفس أقتلها فشرب كأساً من الخمر والله ما برح حتى واقع المرأة وقتل الصبي . ثم قال عثمان رضي الله عنه فاجتنبوها فإنها أم الخبائث وإنه والله لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل إلا ويوشك أن يذهب أحدهما الآخر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[71] قصة الشهيد الضاحك : هو سعيد بن جبير وارث علم عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ، وأحد أعلام التابعين وكان مع عبد الرحمن بن الأشعث حين خرج على الخليفة عبد الملك بن مروان لعسفه وإسرافه في القتل فلما انهزم ابن الأشعث في وقعة دير الجماجم وقتل لحق سعيد بمكة ، فقبض عليه واليها حين ذاك خالد بن عبد الله القسري ، وبعث به إلى الحجاج بن يوسف الثقفي فقال له : ما اسمك ؟ قال : سعيد بن جبير فقال الحجاج : بل أنت شقي بن كسير . فقال : بل كانت أمي أعلم باسمي منك . قال : شقيت أمك وشقيت أنت . قال : الغيب يعلمه غيرك . قال : لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى . فقال : لو علمت ذلك لاتخذتك إلهاً . قال : فما قولك في محمد ؟ قال : نبي الرحمة وإمام الهدى . قال : قولك في علي ؛ أهو في الجنة أم هو في النار ؟ قال : لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها . قال : فما قولك في الخلفاء ؟ قال : لست عليهم بوكيل . قال : فأيهم أحب إليك ؟ قال : أرضاهم لخالقي . قال : فأيهم أرضى للخالق ؟ قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم . قال : أحب أن تصدقني . قال : إن لم أجبك لم أكذب عليك . قال : فلما بالك لم تضحك ؟ قال : وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار . قال : ما بالنا نضحك ؟ قال : لم تستو القلوب . وأراد الحجاج أن يغري سعيداً بمباهج الدنيا ولهوها ، فأمر باللؤلؤ والزبرجد والياقوت فجمعه بين يديه ، فقال له سعيد : إن كنت
جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ، ولا خير في شيء جمع للدنيا إلا ما طاب وزكا . ثم دعا الحجاج بالعود والناي ، فلما ضرب بالعود ونفخ في الناي بكى سعيد . فقال الحجاج : ما يبكيك ؟ أهو اللعب ؟ قال سعيد : هو الحزن أما النفخ فذكرني يوماً عظيماً يوم ينفخ في الصور ، وأما العود فشجرة قطعت في غير حق ، وأما الأوتاد فمن شاة تبعث معها يوم القيامة . فقال الحجاج : ويلك يا سعيد !! قال : لا ويل لمن زحزح عن النار وادخل الجنة . فقال الحجاج : اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك . قال : اختر لنفسك يا حجاج فوالله لا تقتلني إلا قتلك الله مثلها في الآخرة . قال : أفتريد أن أعفو عنك ؟ قال : إن كان العفو فمن الله وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر . قال الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه ، فلما خرج ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك فرده وقال ما أضحكك ؟ قال : عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك . قال الحجاج : اقتلوه . فقال سعيد : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين  قال : وجهوا به لغير القبلة . قال سعيد : فأينما تولوا وجهكم فثم وجه الله  قال : كبوه على وجهه . قال سعيد : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى  قال الحجاج : اذبحوه . قال سعيد : أما إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة ، ثم دعا سعيد فقال : اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي ، وكان ذبحه في شعبان سنة 95 للهجرة ومات الحجاج بعده في رمضان من السنة نفسها ، ولم يسلطه الله على أحد بعده إلى أن مات ، ولما ذبح سعيد سال منه دم كثير فاستدعى الحجاج الأطباء وسألهم عنه وعمن كان قتلهم قبله فإنه كان يسيل منهم دم قليل فقالوا : قُتل هذا ونفسه معه والدم تبع النفس وأما غيره فكانت نفسه تذهب من الخوف فلذلك قل دمهم . ولم علم الحسن البصري بأن الحجاج قتل سعيد بن جبير ذبحاً قال : اللهم ائت على فاسق ثقيف والله لو أن ما بين المشرق والمغرب اشتركوا في قتل سعيد لكبهم الله عز وجل في النار . – ولما حضرت الحجاج الوفاة كان يغيب ثم يفيق ويقول : مالي ولسعيد بن جبير وكان في مدة مرضه إذا نام رأى سعيداً آخذاً بمجامع ثوبه ويقول له : يا عدو الله فيم قتلتني ؟ فيستيقظ مذعوراً ، ويقول : مالي ولسعيد بن جبير ورؤى الحجاج في المنام بعد موته فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : قتلني بكل قتيل قتلته وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة . وكان سعيد بن جبير
من أحفظ الناس للقرآن الكريم وأعلمهم بتفسيره كما كان أعلمهم بالحديث والحلال والحرام . قال وفاء بن إياس : قال لي سعيد يوماً في رمضان : أمسك على القرآن فما قام من مجلسه حتى ختمه وقال سعيد عن نفسه قرأت القرآن كله في ركعتي نفل في البيت الحرام رحمه الله وأثابه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[72] قصة المرائين الثلاثة : قال  :" إن أول ناس يقضى بينهم يوم القيامة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها . قال فما علمت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال فلان جريء وقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيه ؟ قال : تعلمت العلم وعلمت وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال عالم ، وقرأت القرآن ليقال قارئ وقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك . قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد (كريم) وقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ". ( رواه مسلم ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[75] فضل صلاة الجماعة : عن عبيد الله القواريري (شيخ البخاري ومسلم ) رضي الله عنه قال : لم تكن تفوتني صلاة العشاء في الجماعة ، فخرجت أطلب الصلاة في مساجد البصرة ، فوجدت الناس كلهم قد صلوا وغلقت المساجد ، فرجعت إلى بيتي وقلت : قد ورد في الحديث أن صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة . فصليت العشاء سبعاً وعشرين مرة ، ثم نمت فرأيت في المنام كأني مع قوم على خيل وأنا أيضاً على فرس ونحن نستبق ، وأنا أركض بفرسي فلا ألحقهم فالتفت إلى أحدهم فقال لي : لا تتعب نفسك فلست تلحقنا قلت : ولم ؟ قال : لأننا صلينا العشاء في جماعة وأنت صليت وحدك فانتهيت من منامي وأنا مغموم حزين لذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[76] من أهوال القبور : أ - خرج محمد بن الرزيز الحراني من داره بعد العصر إلى بستان قال فلما كان قبل غروب الشمس توسطت القبور فإذا بقبر منها وهو جمرة نار مثل كوز الزجاج والميت في وسطه فجعلت أمسح عيني وأقول أنام أنا أم يقظان ؟ ثم التفت إلى سور المدينة وقلت والله ما ؟أنا بنائم ثم ذهبت إلى أهلي وأنا مدهوش فأتوني بطعام فلم أستطع أن آكل ثم دخلت البلد فسألت عن صاحب هذا القبر فإذا به مكاس (من أعوان الظلمة ) قد توفي ذلك اليوم . ب – وعن الشعبي أنه ذكر رجلاً قال للنبي  مررت ببدر فرأيت رجلاً يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض ثم يخرج فيفعل به ذلك فقال رسول الله  : ذلك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة . ج – وعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال بينما أنا أسير بين مكة والمدينة على راحلة إذ مررت بمقبرة فإذا برجل قد خرج من قبر يلتهب ناراً مصفداً في الحديد وفي عنقه سلسلة يجرها فقال : يا عبد الله انضح يا عبد الله انضح . قال : فخرج آخر يتلوه ويتبعه فقال : يا عبد الله لا تنضح يا عبد الله لا تنضح ثم اجتذب السلسلة فأعاده في قبره . قال وغشي على الراكب وعدلت به راحلته التي يركبها إلى العرج قال وأصبح وقد ابيض شعره فأخبر عثمان بن عفان بذلك فنهي أن يسافر الرجل وحده . د – وكان رجل من أهل المدينة وكانت له أخت في ناحية بالمدينة فماتت فدفنها فلما رجع تذكر أنه نسي شيئاً في القبر كان معه فاستعان برجل من
أصحابه قال فنبشا القبر ووجدا ذلك المتاع فقال للرجل ابتعد أنت حتى أنظر إلى أختي فرفع بعض ما على اللحد فإذا مشتعل ناراً فرده بسرعة وسوى القبر ورجع إلى أمه وقال لها : كيف كان حال أختي ؟ فقالت : ولماذا وقد ماتت ؟ فحكى لها ما شاهده في قبرها . فقالت أمه : كانت أختك تؤخر الصلاة عن وقتها وتأتي أبواب الجيران فتلقم أذنهما أبوابهم وتخرج حديثهم .  - وقيل لنباش كان ينبش القبور وقد تاب من ذلك قيل له : ما أعجب ما رأيت قال : نبشت رجلاً فإذا هو مسمر بالمسامير في سائر جسده ومسمار كبير في رأسه وآخر في رجليه ورأيت جمجمة إنسان مصبوب فيها رصاص وأغلب من كنت أنبش قبره كنت أراه محمول الوجه عن القبلة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[77] تأثير القرآن العظيم على الصالحين : أ - رأى منصور بن عمار شاباً يصلي صلاة الخائفين فنادى عليه : أيها الشاب أقرأت قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون  فلما سمع هذه الآية خر مغشياً عليه ولما أفاق قال : زدني . فقال : ألم تعلم أن في جهنم وادياً يسمى لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى فلم يستطع أن يتحمل هذه الموعظة من القرآن فسقط ميتاً . فكشف عن صدره فوجد مكتوب عليه إنه في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية . فيقول فنمت متفكراً في حال هذا الرجل فرأيته في المنام بتبختر في الجنة وعلى رأسه تاج الوقار فسألته : بما نلت هذه المنزلة العالية ؟ فقال لي : ألم تقرأ قوله تعالى : إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر  يا ابن عمار لقد أعطاني الله تعالى ثواب أهل بدر وأكثر . فقلت له : لماذا ؟ قال لأنهم ماتوا بسيف الكفار أما أنا فمت بسيف الملك الجبار . القرآن الكريم . ب – وحكي عن مسروق رضي الله عنه أنه سمع قارئاً يقرأ : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً  فاضطرب وأخذ يبكي وقال للقارئ : أعد علي فما زال يعيد عليه هذه الآية وهو يبكي حتى وقع ميتاً رحمه الله فكان من قتلى القرآن . ج – ويقول منصور بن عمار رضي الله عنه : دخلت الكوفة فبينما أنا أمشي في ظلمة الليل إذ سمعت بكار رجل بصوت شجي من داخل دار وهو يقول إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ولكن عصيتك بجهل مني فالآن من ينقذني من عذابك ؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني واذنوباه واغوثاه يا الله . قال منصور بن عمار : فأبكاني كلامه فوقفت فقرأت : يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكو غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون  . فسمعت للرجل صياحاً شديداً واضطراباً . فوقفت حتى انقطع صوته ومشيت فلما أصبحت أتيت دار الرجل فوجدته قد مات والناس في تجهيزه وعجوز تبكي فسألت عنها فقيل هي أمه فتقدمت إليها وسألتها عن حاله فقالت كان يصوم النهار ويقوم الليل ويكتسب الحلال فيقسم كسبه أثلاثاً ، ثلث لنفقته وثلث لنفقتي وثلث يتصدق به فلما كان البارحة مر إنسان وهو يقرأ فسمع آية من القرآن ففارق الدنيا . د – وروي أن مضر القارئ كان يقرأ هذه الآية : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق  فبكى عبد الواحد بن زيد حين سمعها حتى غشي عليه فلما أفاق قال :" وعزتك وجلالك لا عصيتك جهدي أبداً فأعني بتوفيقك على طاعتك " ثم سمع قارئاً يقرأ : يا أيها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية  فاستعادها من القارئ وقال :" كم أقول ارجعي . وأغمي عليه خوفاً من الله وعذابه . وتاب إلى الله وصلح حاله بعد ذلك . وصدق الله إذ يقول : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعاً متصدعاً من خشية الله  ".  - صلى زرارة بن أوفى بالناس صلاة الصبح فلما قرأ : فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير  وقع ميتاً رحمه الله تعالى . ولما نزل قوله تعالى : وإن جهنم لموعدهم أجمعين  صاح سلمان الفارسي صيحة
ووضع يده على رأسه وهام على وجهه ثلاثة أيام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[79] عاقبة الحسد : ورد أن رجلاً ترك ولدين بعد مماته وخلف لهما مالاً لا بأس به فاقتسماه وتصرف كل منهما في حقه فاشتغل الابن الأصغر في التجارة وأخلص لله في عمله وكان كثير التصدق لا يبخل على عباد الله بنعمة فنمت تجارته وازدادت أمواله وأصبح ذا ثروة طائلة ولم يكن له أعداء لذلك كانت أمواله محصنة لا يؤثر فيها حسد . أما الابن الآخر فقد سلك طريق الغواية حتى أهلك ثروته في الخمر والميسر والزنا فنفدت أمواله عن آخرها واصبح فقيراً لا يجد ما يقتات به ومع ذلك كان أخوه كثير العطف عليه يئويه ويقدم له من المأكل والملبس ما يكفيه . ولم يكتف هذا بعطف أخيه عليه بل أخذ الحسد يتمكن من قلبه لأخيه ، وفكر في طريقة يضيع بها ثروة أخيه حتى يسير مماثلاً له في الفقر وبذلك يطمئن قلبه فلا يعايره الناس بفقره ويشيدون بسمعة أخيه فصار يجتهد للوصول إلى تنفيذ غرضه الدنيء وأخيراً اهتدى بوحي من إبليس إلى رجل حسود اشتهر بحسده وقليل من القوم من نجا من حسده . وكان الحاسد ضعيف البصر لا يكاد يرى إلا عن قرب . فذهب الأخ الأكبر إلى هذا الرجل المشهور بحسده وطلب منه حسد أموال أخيه مقابل أجر يدفعه عند هلاك ثروته وأخذه إلى طرق كانت تمر تجارة أخيه فنبه الأخ الأكبر الرجل الحسود إليها (التجارة) قائلاً : استعد فقد قربت تجارة أخي وصارت على بعد ميل واحد منا . فقال الرجل الحسود يا لقوة بصرك أتراها على هذا البعد يا ليت لي بصر قوي مثل بصرك فشعر صاحبنا بألم في رأسه وأظلمت عيناه وعمي في الحال ومرت تجارة أخيه سالمة لا يمسها سوء .